.. شعراء وادباء : صفحه اصدارات الكاتب. دكتور. عزام عبد الحميد ابو زي...:
كتاب. مقالات تربويه من تعاليم خير البريه.. للكاتب. د. عزام عبد الحميد ابو زيد فرحات. الجزء الخامس.
اضغط على رابط الكتاب
مقالات تربويه من تعاليم خير البريه (1)
https://online.fliphtml5.com/zfhez/sokw/#p=1
جبر القلوب المُنكسرة .
ما أجمل أن تري إنساناً مهموماً مغموماً فتقترب منه وتُفرج همه وغمه وألا تُدير له ظهرك ، ما أجمل أن تُشارك في جبر الخواطر ولو بكلمة طيبة وألا تكون ممن يكسرون ويُحطمون قلوب الناس بالكلمات الساقطة والأفعال القبيحة .
هذا رجل مهموم مغموم بسبب الديون المتراكمة عليه فيتفاعل الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم معه ويُرشده إلي دعاء يُكرره ويكون بإذن الله سبب في تفرج الهم والغم ، ما أجمل أن تحتمي بالله وتُناجيه فهو سبحانه وتعالى قاضي الحاجات بقدرته ، روي الإمام أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول صلى عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار، يقال له: أبو أمامة، فقال : يا أبا أُمامَةَ ! ما لِي أراكَ جالِسًا في المسجِدِ في غَيرِ وقتِ صَلاةٍ ؟ قال : هُمومٌ لَزِمَتْنِي ، ودُيونٌ يا رسولَ اللهِ ! فقال : أفَلا أُعَلِّمُكَ كلامًا إذا قُلتَهُ أذْهَبَ اللهُ عزَّ وجَلَّ هَمَّكَ وقَضَى عنكَ دَيْنَكَ ؟ . فقال : بَلَى يا رسولَ اللهِ ! قال : قُلْ إذا أصْبَحتَ وإذا أمْسيتَ : ( اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من الهَمِّ والحُزْنِ ، وأَعوذُ بِكَ من العَجْزِ والكَسَلِ ، وأَعوذُ بِكَ من البُخْلِ والجُبنِ ، وأَعوذُ بِكَ من غَلَبةِ الدَّينِ وقَهْرِ الرِّجالِ ) . قال : فَقُلتُ ذلِكَ ، فأذْهَبَ اللهُ هَمِّي ، وقَضَى عنِّي دَيْني ). جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر يشكون لرسول الله صل الله عليه وسلم قِلة المال الذي لا يتمكنون من خلاله التصدق على الفقراء فهم فقراء ، فأرشدهم إلى أن يذكروا الله عزّ وجل ، فكل ذكر لله كأنه صدقة على فقير ، وبهذا يكون الفقير الذي يذكر الله كثيراً كالغني الذي عنده مال يتصدق منه ، ما أجمل هذا الإرشاد النبوي للفقراء ، إرشاد جبر بخواطرهم وجعل معنوياتهم ونفسياتهم في السماء ، روي الإمام مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالوا للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ ).
ما أجمل أن تجبر خاطر فقير أو مسكين أو يتيم بنصف تمرة فيكون ثوابها الجنة ، فالعبرة ليست بكثرة الصدقة ولكن العبرة بالنية الصادقة والمشاعر النبيلة التي تتعامل بها مع المُحتاج فتراعي حالة وتتفاعل معه حالة احتياجه لك، روي الإمام مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ( جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فأطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فأعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ منهما تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إلى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بيْنَهُمَا، فأعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أَوْجَبَ لَهَا بهَا الجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بهَا مِنَ النَّارِ ).
اللهم اجعلنا ممن يجبرون خواطر عبادك ، واجبر بخواطرنا في الدنيا والآخرة يا أكرم مسؤول وأنعم مأمول.
الانفعال المحمود .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي خاتم الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم ) أما بعد ، عباد الله : إن الإنسان يعيش في دنياه بين اليُسر تارة وبين العُسر تارة أخري ، يعيش بين الفرح والسرور تارة وبين الهم والحزن تارة أخري ، وتلك سنة كونية من رب البرية ، فالإنسان قد ينفعل ويتألم أمام الشدة والبأس ، وقد يفرح أمام الخير والسعة ، وكلا الأمران لازمان لبني الإنسان ، فالانفعال المنضبط بأدب الشرع الحنيف عند الشدة والبأس هو انفعال محمود لا يُعتبر تجاوزاً ولا تطاولاً ولا تعدياً علي حرمات وحريات الآخرين ، ولا يُعتبر إفراطاً ولا تفريطاً ، فالإسلام علمنا أن يكون الإنسان مصدر أمن وأمان لأخيه الإنسان بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عقيدته ، وألا يكون الإنسان سباباً أو لعاناً لأخيه الإنسان بل وحتي الحيوان ، وعندما لعنت إمراه ناقة لها وكانت في سفر مع الحبيب (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ، أمر بترك الناقة تسير بعيداً عنهم ولا ترافقهم عِقاباً للمرأة علي لعنها الحيوان ، روي مسلم بسنده من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ). قَالَ عِمْرَانُ : فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ ) .
وعندما علم الحبيب ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بأن راهبة عجوز في أرض الحبشة قد ضربها شاب فتي بقوة حزن وقال : ( كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ) . روي ابن ماجة بسنده من حديث جابر بن عبد الله ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا ) قَالَ : لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ : ( أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ؟. ) . قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ ، مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ، ثُمَّ دَفَعَهَا ، فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا ، فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ ، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ ، فَقَالَتْ : سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ ، إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ ، وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، وَتَكَلَّمَتْ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا .
قَالَ : يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : (صَدَقَتْ ، صَدَقَتْ ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ ) .
وهذا رسول الله ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قدوتنا ، ومن ندعوا الله ( عز وجل ) ليل نهار أن نُحشر تحت رايته يوم القيامة ، قد اقترض لنفسه بعيراً من أحد الأعراب ، وجاء الأعرابي لكي يأخذ بعيراً آخر عوضاً عن بعيره ، وأغلظ القول للحبيب ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فكان منه انفعالاً محموداً ، فأمر بإعطائه بعيراً خيراً من بعيره ،وأحسن وفادته ، روي البخاري بسنده من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَأَغْلَظَ لَهُ ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ . فَقَالَ : ( دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا ، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ ) . وَقَالُوا : لَا نَجِدُ إِلَّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ . قَالَ : ( اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً ) .
وعندما كان الحبيب في إحدى الغزوات ووجد إمراة كافرة قد قُتلت ، فحزن وقال : ( مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ ؟. ) . وأمر بعدم التعرض للنساء والأطفال والشيوخ والخدم الذين من شأنهم عدم المشاركة في القتال ضده ، روي أبو داود بسنده من حديث رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي غَزْوَةٍ ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ ، فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ : ( انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ ).فَجَاءَ فَقَالَ : عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ . فَقَالَ : (مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ ) . قَالَ : وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَبَعَثَ رَجُلًا ، فَقَالَ : ( قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا (العسيف : الأجير) ) . إن الانفعال المحمود ، يدل علي سلامة الفطرة ، ونقاء السريرة ، وسلامة القصد ، والتأدب بأدب الدين . اللهم أدبنا بأدب الإسلام ، واحشرنا تحت لواء النبي العدنان ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
صفحه الكاتب. دكتور. عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات.
مفاتيح للخير مغاليق للشر بإذن الله جل وعلا.
ما أجمل وأروع أن يكون الإنسان مصدر خير وأمن وأمان واستقرار لكل من يُحيط به ، إذا تكلم يكون في كلامه النُصح والإرشاد والمعونة لكل ما فيه صلاح الفرد والمجتمع ، وإذا سكت يكون سُكوته في التدبر والتأمل والترجيح لأفضل الأمور التي تعود عليه وعلى غيره بالنفع والفائدة .
ما أجمل وأروع أن يُطبع على الإنسان سمات وملامح وعلامات الأخيار الصالحين الذين إذا رآهم الناس من بعيد استبشروا بالخير وعاينوا الخير والصلاح والفلاح والطمأنينة والسكينة .
وما أقبح وأشر وأخزي وأفسد أن يكون الإنسان مصدر أذي وترويع وتخويف وتخوين وتفسيق لغيره من المسلمين ، ما أفحش وأخزي أن يُطبع الإنسان بطباع الأشرار الذين يُفسدون ولا يُصلحون ،الذين يغتابون المسلمين ويطعنون في أعراضهم ليل نهار، الذين يُفسدون بين المُحب ومحبوبه، الذين يلتمسون لأهل الطُهر والعفاف والقيم والمبادئ العثرات والزلات التي لا تقدح في أحد بُغية الإساءة إليهم ، روي الترمذي وصححه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وقف على أُناسٍ جلوسٍ فقال ألا أخبركم بخيرِكم من شرِّكم ؟ قال : فسكتُوا، فقال ذلك ثلاثَ مراتٍ، فقال رجلٌ : بلى يا رسولَ اللهِ أخبرْنا بخيرِنا مِن شرِّنا . قال : خيركُم منْ يُرجى خيرُه ويُؤمنُ شرُّهُ، وشرُّكم من لا يُرجى خيرُهُ، ولا يُؤمنُ شرُّهُ ) .
وروى الإمام أحمد ، والبخاري في الأدب المفرد من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ».
قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ».
ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمُ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ ».
طُوبي لمن جعل من نفسه مفتاح خير لنفسه ولوطنه وللخلق أجمعين ، أي طاب عيشه في الدنيا والآخرة من سلك طريق الصالحين المصلحين الأخيار ، فالجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحداً ، وويل في الدنيا والآخرة لمن سلك طريق الأشرار البُغاة أي هلاك ودمار وخزي وندامة وحسرة علي من سلك طريق الأشرار المفسدين للنفس والمال والعرض والأوطان ، روى الإمام ابن ماجة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».
قال المُناوي في التعليق على هذا الحديث الجليل: ( إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى ) أي حسنى أو خيراً وهو من الطيب أي عيش طيب ( لمن جعل اللّه مفاتيح الخير على يديه، وويل ) شدة حسرة ودمار وهلاك ( لمن جعل اللّه مفاتيح الشر على يديه ) قال الحكيم: فالخير مرضاة اللّه والشر سخطه، فإذا رضي اللّه عن عبد فعلامة رضاه أن يجعله مفتاحاً للخير، فإن رُؤى ذُكر الخير برؤيته، وإن حضر حضر الخير معه، وإن نطق نطق بخير، وعليه من اللّه سمات ظاهرة لأنه يتقلب في الخير، يعمل خير وينطق بخير ويفكر في خير ويُضمر خيراً فهو مفتاح الخير حسبما حضر وسبب الخير لكل من صحبه، والآخر يتقلب في شر ويعمل شراً وينطق بشر ويفكر في شر ويضمر شراً، فهو مفتاح الشر لذلك فصحبة الأول دواء والثاني داء.
يارب نسألك بأسمائك الحُسني وصفاتك العُلي أن تجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر .
الإخاء المنشود.
مما لا شك فيه أن الإسلام دعانا إلي ما يُصلح حال الفرد والمجتمع ، فدعا الإسلام إلي ترابط أفراد المجتمع ، ترابط مبنى على الإحترام والتقدير بين الصغير والكبير ، ترابط ليس فيه استغلال الكبير للصغير أو الصغير للكبير ، بل ترابط على الحق والعدل يُعطي الكبير للصغير العطف والحنان ودفئ المشاعر ، ويُعطي الصغير للكبير الإحترام والتقدير والتبجيل لتقدم عمره ، روي الإمام الترمذي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ).
دعانا الإسلام إلي الترابط والتأخي حتى يصير المجتمع كله إخوة كلأخوة في النسب ويكون الرابط بين الناس برباط الدين كالترابط برباط الأخوة في النسب ، قال الله عز وجل في سورة الحجرات: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ).
غير أن الأخوة في النسب لها مزيد فضل ، فيجب على الأخوة في النسب مزيد من التحمل والتكيف والتنازل تارة والرفق والإعراض عن الجهالات والسقطات تارة أخرى حتى تدوم العِشرة ويظل النسب متصل دون انقطاع .
فهذا رجل كان له قرابة يُحسن إليهم ويناله منهم الإساءة ، ويتحمل ويصبر علي أذاهم وهم يزيدون في جهلهم وظلمهم له ، فشكا ذلك للحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم فأمره أن يستمر على حاله والله معه ، ولا يُعاملهم بنفس معاملتهم وهو بهذه الحالة كأنه يُطعمهم المل أي الرماد الحار وهذا كناية عن وصول السيئات إليهم بسبب جهلهم وظلمهم وصبره عليهم ، روي الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ».
وأكد الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم على مفهوم التحمل والتكيف والتنازل من أجل اتصال الأخ بأخيه وذي الأرحام بعضهم مع بعض حتى تظل الأسر والمجتمعات مترابطة ، فأبان الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم أن الذي يأخذ ثواب صلة الرحم هو الذي يتحمل أذي أرحامه ولا يعاملهم بمثل معاملتهم السيئة وليس المكافئ أي الذي يرد الإحسان بإحسان ولا يتحمل الأذي ، روي الإمام البخاري من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا ).
من أراد السعة في الرزق والبركة في العمر بالتوفيق للطاعات واجتناب المُهلكات والفوز بالجنة فعليه بتحمل إخوانه وأقاربه فلا يُسيئ إذا أساءوا ويصل إذا قطعوا ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ
اللهم ارزقنا الإخاء الذي نصل به أرحامنا.
صفحه الكاتب. دكتور. عزام عبد الحميد
سُورة الإخلاص .
سُورة الإخلاص سورة قصيرة ، يسر الله حفظها على كل مسلم ، قال الله ( عز وجل ) : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }.
سورة تقرر أن الله (عز وجل ) هو المعبود بحق ، ولا إله غيره ، وهو الخالق لكل ما في الكون ، وهو المدبر لكل ما فيه ، ولا يغيب عنه شيء مما في هذا الكون ، وهذا الإله الحق لا يُشبه أحداً من خلقه ، وهذا الإله الحق هو الصمد ـــ لا يحتاج لأحد من خلقه بل كل الخلق مَنْ يحتاجون إليه .
ومن الأمور البديهية للعقل أن الإله الخالق هو من أوجد الكون بقدرته ، ولا يُشبه أحداً من مخلوقاته ، فالمخلوقات كلها تتزوج وتتناسل ويكون لها أبناء وحفده ، لكن الخالق ليس مِثلهم ، فالصانع لا يُشبه المصنوع بأي حالة ، فمن صنع سيارة مثلاً ، هل هناك عاقل يقول : إن السيارة تشبه من صنعها ؟.
نعم قد يكون للسيارة قلب ينبض ويُحركها ألا وهو المُوتور ، كالقلب الذي ينبض ويُحرك الإنسان ، ولكن هناك فارق كبير لا يُمكن تخيله وإدراكه بين مدلول القلب عند الإنسان ومدلول القلب عند السيارة ، وهذا من باب التشبيه وتقريب الفهم .
من قرأ السورة التي تُبرز الفهم الصحيح عن الله كثيراً ، أورثته إيماناً وتصديقاً متراكماً ، يُترجم إلي أقوال وأفعال وفق مُراد الله الخالق ؛ لذا كان ثواب قراءة هذه السورة عظيماً ؛ روي الشيخان ــ الإمام البخاري ومسلم من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِأَصْحَابِهِ : ( أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟. فَقَالَ : ( اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ ) .
من أحب قراءة سورة الإخلاص التي تُثبت وتُرسخ صفة الرحمن في قلبه ، أحبه الله ( عز وجل ) ؛ روي الشيخان من حديث عَائِشَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ) أَنَّ النَّبِيَّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلَاتِهِمْ ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، فَلَمَّا رَجَعُوا ، ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ، فَقَالَ : ( سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ ) ؟. فَسَأَلُوهُ فَقَالَ : لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا . فَقَالَ النَّبِيُّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : ( أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ ) .
حُب سورة الإخلاص ، والمداومة علي قراءتها ، والعمل بمقتضياتها ، طريق مُمَهد للجنة ؛ روي الترمذي وصححه أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأَ بِهَا ، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ، ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا ، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا : إِنَّكَ تَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى ، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى ، قَالَ : مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِهَا فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ ، وَكَانُوا يَرَوْنَهُ أَفْضَلَهُمْ ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ : ( يَا فُلَانُ مَا يَمْنَعُكَ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ ، وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ؟. ) . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) : ( إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ ) .
من قرأ سورة الإخلاص عشر مرات ، بني الله له بيتاً في الجنة ، فأكثروا أيها المُحبين لها من قُصوركم في الجنة ؛ روي الإمام أحمد من حديث مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَنْ أَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ ) .
اقرأ يا عبد الله سورة الإخلاص مع سورتي الفلق والناس عند الشعور بالألم والمرض ، فإن الله ( عز وجل ) يشفي بهم الأمراض ويُزيل بهم الأوجاع بقدرته لمن يشاء من عباده ؛ روي الشيخان من حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَانَ إِذَا اشْتَكَى ، يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ، وَيَنْفُثُ ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ ، كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ ، وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا ) .
إقرأ يا عبد الله سورة الإخلاص مع سورتي الفلق والناس عند الرغبة في النوم ، فهما رقية واقية من الآفات ، ومن تلاعب الشيطان بك حال النوم بإذن الله تعالي ؛ روي الشيخان من حديث عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا ، فَقَرَأَ فِيهِمَا ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) .
اقرأ يا عبد الله ، سورة الإخلاص مع سورتي الفلق والناس ، عند الصباح والمساء ، يكفيك الله كل شيء يؤلمك ، يؤذيك ، يضرك بإذن الله تعالي ؛ روي الترمذي وصححه من حديث مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجْنَا فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يُصَلِّي لَنَا ، قَالَ : فَأَدْرَكْتُهُ . فَقَالَ : ( قُلْ ) . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ: ( قُلْ ) . فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، قَالَ: ( قُلْ ) . فَقُلْتُ : مَا أَقُولُ ؟. قَالَ : ( قُلْ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ، حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) .
اللهم ارزقنا الفهم الصحيح لسورة الإخلاص، وارزقنا مداومة قراءتها ، وعظيم ثوابها .
زيارة القُبور سُنة للرجال والنساء.
كان من عادة العرب في الجاهلية أي قبل الإسلام ، التفاخر والتباهي وبلغ بهم الأمر أن يتفاخروا ويتباهوا بعدد أمواتهم ، فكانوا يذهبون إلى المقابر من أجل إثبات أن القبيلة الفلانية أعظم من القبيلة الفلانية بكثرة موتاهم وليس في الزيارة أي عِظة للزائر ، ولما جاء الإسلام نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما استقر في قلوبهم الطاعة والخشوع والخضوع والتذلل والإفتقار لله عز وجل ، والبعد عن الفخر والعُجب والخُيلاء أذن لهم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في الزيارة حتى يتذكروا عذاب القبر ونعيمه ويوم القيامة وأهواله، فيعملوا ويجتهدوا ويستعدوا للقاء الله ، روي الإمام الترمذي وصححه من حديث سليمان بن بُريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أُذن لمحمد في زيارة قبر أمه، فزوروها فإنها تذكر الآخرة ).
وإن المتأمل لهذا الحديث يجد أن الإذن بالزيارة عام للرجل والمرأة والصغير والكبير ، وليس هناك منع لفئة معينة.
وعند الإمام البخاري ومسلم من حديث أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ( مرَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بامرأةٍ تبكي عند قبرٍ، فقال: اتَّقي اللهَ واصبري. قالت: إليكَ عَنِّي؛ فإنكَ لم تُصَبْ بمُصيبتي- ولم تعرِفْهُ- فقيل لها: إنَّهُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتت بابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلم تَجِدْ عندَه بوَّابِينَ، فقالت: لم أعرفْكَ، فقال: إنَّما الصبرُ عندَ الصَّدْمةِ الأُولى ).
وإن المتأمل لحديث أنس بن مالك هذا، يجد أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عاب على المرأة عدم الصبر والرضا بالقضاء والقدر ، ولعلها كانت تُبالغ في البكاء والحزن الذي قد يخرج بها عن الصبر المؤدي للأجر والثواب، ولم يقل لها إن زيارة القبور مُحرمة ، وأقرها على الزيارة والإقرار حُجة في مشروعية الزيارة للنساء.
وروي الإمام البيهقي في السنن الكبرى من حديث عبدِ اللهِ بنِ أبي مُلَيكةَ، أنَّ عائشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها أقبلَتْ ذاتَ يومٍ من المقابِرِ، فقُلْتُ لها: يا أمَّ المؤمنينَ مِن أينَ أقبَلْتِ؟ قالت: مِن قَبرِ أخي عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بكرٍ. فقلت لها: أليسَ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن زيارَةِ القبورِ؟ قالت: نعم، كان نهى، ثُمَّ أَمَرَ بزيارَتِها ).
وروي الإمام الحاكم في المستدرك من حديث علي بن الحسين ، عن أبيه ، أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كانت " تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده " ثم قال الإمام الحاكم: هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات ، وقد استقصيت في الحث على زيارة القبور تحرياً للمشاركة في الترغيب ، وليعلم الشحيح بذنبه أنها سنة مسنونة ، وصلى الله على محمد ، وآله أجمعين " .
قلت: إن المتأمل لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وحديث على بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي رضي الله عنهما، يجد أن زيارة القبور مسنونة للرجال والنساء على السواء، وهذه عائشة رضي الله عنها تزور قبر أخيها، وعلى بن الحسين يروي عن أبيه أن جدته فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تُداوم على زيادة قبر عمها حمزة رضي الله عنه كل أسبوع تُصلي أي تدعو وتبكي عنده .
وجاء في كتاب التمهيد لابن عبد البر ، أن الإمام أحمد رحمه الله، سُئل عن المرأة تزور القبر: " ؟. فقال : أرجو إن شاء الله أن لا يكون به بأس، عائشة زارت قبر أخيها.ثم سُئل عن حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله زائرات القبور ؟.
فقال : هذا أبو صالح ماذا؟ كأنه يضعفه أي في سنده أبو صالح ضعيف .
وقال بعض أهل العلم : أما رواية "لعن الله زوارات القبور" فإنها تدل على النهي عن دوام زيارتها وتكرار ذلك؛ لما قد يصاحبه من المنكرات والتجاوزات، وإذا لم يكن هناك تجاوزات أو منكرات فلا حرج من تكرار الزيارة .
اللهم اغفر لكل موتي المسلمين ، وانفع الأحياء بزيارة الأموات وانفع الأموات بزيارة الأحياء.
التعسيل هبة من رب العالمين .
التعسيل هو أن يموت الإنسان على عمل صالح يرضاه الله عزّ وجل ، ويرضى الناس المحيطين به ويثنون عليه ، هذا التعسيل هدية خفية من الله للعبد ، لا ندري ما هي علي وجه التحديد ، روي الإمام أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ "، قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: " يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ " .
وروي الإمام الطبراني في مسند الشاميين من حديث أَبِي عِنَبَةَ الْخَوْلانِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا عَسَّلَهُ ؟، قَالَ: " يَفْتَحُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَبْعَثُهُ عَلَيْهِ "
وروى الإمام الطبراني في المعجم الكبير من حديث أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ "، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا عَسَّلَهُ ؟، قَالَ: " يَفْتَحُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيه) .
قد يكون التعسيل من الله بأن يقول العبد قبل خروج روحه : لا إله إلا الله أو يكون صائما لوجه الله أو يكون قد أخرج صدقة لوجه الله ، هكذا جاء النص النبوي ،روي أحمد وابن أبي شيبة من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : أسْنَدتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى صَدْري، فقال: مَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ ابتِغاءَ وَجْهِ اللهِ- خُتِمَ له بها دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن صامَ يَومًا ابتِغاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ له بها دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن تَصدَّقَ بصَدَقةٍ ابتِغاءَ وَجْهِ اللهِ خُتِمَ له بهادَخَلَ الجَنَّة) .
لكن النص النبوي ليس قيداً في هذه الثلاثة بل هو أن يموت الإنسان على عمل صالح يرضاه الله من جنس هذه الأعمال الثلاثة، قد يكون التعسيل بكلمة واحدة فيها أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو إحقاق حق أو إبطال باطل ،أو فعل بسيط كإماطة الأذي عن الطريق .
اللهم ارزقنا التعسيل بما تشاء .
عذاب القبر أو نعيمه للروح والجسد أم للروح؟.
عذاب القبر أو نعيمه يكون للروح أم للروح والجسد معاً؟. جاءت الأحاديث النبوية الكثيرة التي تبين أن النعيم أو العذاب يكون للروح والجسد معاً، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: « إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ ـ أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ ـ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: المُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعَاً فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ....».
وإذا تأملنا هذا الحديث وجدنا أن كلام الملكين للميت ، وتوسعة القبر له وإنارته والقول بأن ينام في راحة وطمأنينة ونعيم من الجنة، إنما هو خطاب لجسد به روح كالحي في الدنيا ، ولكن قد يقول قائل: الجسد بعد أيام يتحلل ويبقى العظم ومع طول الزمن يتحلل العظم إلا عظمة واحدة صغيرة تُسمي عَجب الذنَب وهي العظمة الصغيرة التي في نهاية العمود الفقري كما جاء في الحديث الصحيح ؟.
والإجابة كما قال أهل العلم: بأن الجسد يتحلل ويبقى عظمة عجب الذنب ، والروح باقية لا تفني وتتصل بباقي الجسد في لحظة واحدة، كضوء الشمس عندما يعم أركان الدنيا في لحظة، وتتصل الروح بباقي الجسد وتُنعم أو تُعذب مع الجسد ، وتتم الحياة ولكن كيفية هذه الحياة غير معلومة.
وجاء في حديث عند البخاري ومسلم إخبار من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن الكافر أو المنافق الذي لا يستطيع أن يُجيب على أسئلة الملكين فمصيره:( يُضْرَبُ بمِطْرَقَةٍ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً بيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَين). وهذا الحديث صريح في أن الكلام للميت والضرب على جبهة الرأس بين الأذنين إنما هو لحي بروح وجسد.
وقد تُنعم الروح وحدها أو تُعذب بعيداً عن الجسد، فالروح المنعمة تسبح في سماء الجنة، والروح المعذبة تسبح في سماء النار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَأَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِي وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ نَسَمَةَ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يُعَلَّقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ ـ وَفِي لَفْظٍ: ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ ـ وَمَعَ ذَلِكَ فَتَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ مَتَى شَاءَ اللَّهُ وَذَلِكَ فِي اللَّحْظَةِ بِمَنْزِلَةِ نُزُولِ الْمَلَكِ وَظُهُورِ الشُّعَاعِ فِي الْأَرْضِ وَانْتِبَاهِ النَّائِمِ، هَذَا وَجَاءَ فِي عِدَّةِ آثَارٍ أَنَّ الْأَرْوَاحَ تَكُونُ فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَرْوَاحُ تَكُونُ عَلَى أَفْنِيَةُ الْقُبُورِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دَفْنِ الْمَيِّتِ لَا تُفَارِقُهُ، فَهَذَا يَكُونُ أَحْيَانًا، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْأَرْوَاحَ مُرْسَلَةٌ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ.
اللهم اجعلنا من المنعمين في قبورهم في روضة من رياض الجنة ووفقنا ما أحييتنا للعمل بعمل أهل الجنة وجنبنا بقدرتك التي وسعت كل شيء العمل بعمل أهل النار.
تزاور أرواح الأحياء والأموات.
من الأدلة الدامغة على قدرة الله عز وجل وعظمته، أنه يجمع أرواح عباده الموتي وأرواح عباده الأحياء حين ينامون ، فتلتقي الأرواح وتتحاور مع بعضها إن شاءت ، ثم يحبس عنده أرواح الأموات ويأذن لأرواح الأحياء أن تعود لأجسادها لحين انتهاء الأجل، قال الله عز وجل في سورة الزمر: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ).
قال الحافظ ابن كثير: قال بعض السلف: يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء اللّه أن تتعارف { فيمسك التي قضى عليها الموت} التي قد ماتت، ويرسل الأًخرى إلى أجل مسمى، قال السدي: إلى بقية أجلها، وقال ابن عباس: يُمسك أنفس الأموات، ويُرسل أنفس الأحياء، ولا يغلط.
وقد أكد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا التلاقي لأرواح الأحياء والأموات، وإخبار الأموات للأحياء عن بعض أحوالهم، وأن ما يقوله الأموات عن أنفسهم أو عن غيرهم فهو حق وصدق، فهذا رجل آمن بالله ورسوله وهاجر إلى المدينة المنورة ليُقيم بها، ولكن بعد مدة من الزمن لم يألف جو المدينة، فاجْتَوي المدينةَ أي كره الإقامةَ في المدينةِ، ولم يُناسِبْ جوُّها جسده، فإذا به يمرض ويجزع أي يصيبه الخوف والفزع ، فإذا به يأخذ مشاقص له أي قطع من الحديد الطويل العريض ويقطع بها براجمه أي عُقد أطراف أصابعه ، فسال الدم منها حتى مات.
هذا الميت التقت روحه بروح صديق له من الأحياء، وأخبر الميت صاحبه بأن الله غفر له بهجرته للنبي صلى الله عليه وسلّم، إلا أن الحي لاحظ أن صديقه الميت يُخفي يديه مقطوعة الأصابع ، ويُخبره بأن الله قال له: لن نُصلح لك ما أفسدت من يديك في الدنيا، فالرجل قطع أطراف أصابعه عامداً متعمداً ، فعاقبه ربه بأن تظل يداه كما هي.
قص هذا الرجل رؤياه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقره ووافقه على ما قال ودعا للميت بأن يُصلح الله له يداه.
روي الإمام مسلم في صحيحه من حديث جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ ؟ قَالَ : حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ ، فَمَرِضَ ، فَجَزِعَ ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ : مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ ؟ فَقَالَ : غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ ؟ قَالَ : قِيلَ لِي : لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ .
فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ .
وهذه بعض النماذج لالتقاء أرواح الأموات بالأحياء، ذكرها أهل العلم الكبار في كتبهم.
قال أبو داود – صاحب " السنن " - : محمَّد بن محمد بن خلاَّد – وهو من شيوخه - قتله الزِّنج صبراً ، فقال بيده هكذا - ومدَّ أبو داود يده ، وجعل بطون كفيه إلى الأرض - ، قال : ورأيتُه في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : أدخلني الجنة .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة : رُئي عمرو بن مرَّة الجملي - وهو من خيار أهل الكوفة ، شيخ الثوري وغيره - بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي بحبِّ علي بن أبي طالب ، ومحافظتي على الصلاة في مواقيتها .
وقال الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ : قال حبيش بن مبشر - أحد الثقات - : رأيتُ " يحيى بن معين " في النوم ، فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : أعطاني ، وحبَاني ، وزوَّجني ثلاث مائة حوراء ، ومهَّد لي بين البابين .
اللهم ارزق أرواحنا لقاء ومحاورة من نُحب في المنام، وعلى رأسهم خير الأنام سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم.
كيفية غُسل الميت .
من الأمور المهمة التي يجب أن يعرف المسلم كيفيتها أمر غُسل وتكفين الميت ؛ لأن الحياة لا تدوم ولابد أن يكون المسلم عنده فكرة عامة عنها.
أول شيء يفعله المُغسل هو تجريد الميت من ثيابه أي نزع ثيابه عن جسده مع ستر العورة من السرة إلى الركبة بساتر سميك من القماش، روي الإمام أبو داود في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالَت : لمَّا أرادوا غُسلَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا : واللَّهِ ما ندري أنُجرِّدُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من ثيابِهِ كما نجرِّدُ مَوتانا ، أم نُغسلُهُ وعلَيهِ ثيابُهُ ؟.
فلمَّا اختَلفوا ألقى اللَّهُ عليهمُ النَّومَ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا وذقنُهُ في صَدرِهِ ، ثمَّ كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يَدرونَ من هوَ : أن اغسِلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وعلَيهِ ثيابُهُ ، فقاموا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فغسَلوهُ وعلَيهِ قميصُهُ ، يصبُّونَ الماءَ فوقَ القميصِ ويدلِّكونَهُ بالقَميصِ دونَ أيديهم ، وَكانت عائشةُ تقولُ : لو استَقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ، ما غسَلَهُ إلَّا نساؤُهُ ) .
ويُستفاد من حديث عائشة رضي الله عنها أنه لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم ، قالوا لبعضهم البعض: نخلع الثياب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونستر عورته كما نفعل مع كل الموتي أم نغسله في ثيابه حتي نضمن الستر الكامل لجسده الشريف ، فمكانته ليست كسائر البشر؟.
وهنا ألقي الله عزّ وجل عليهم النوم ، فناموا ، وسمعوا صوت مَلك يُخبرهم أن غسلوه في ثيابه ، وذهب الشافعية إلى أن الغُسل في الثياب ليس خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم ، فيجوز لأي مسلم أن يُغسل في ثيابه ؛ لأن ما كان مسنوناً للرسول فهو مسنون لأمته وبه قال أحمد ، وقال أبو حنيفة ومالك : المستحب غسله مجردا ، وقال داود : هما سواء .
ولا يجوز للمُغسل أن يَمس عورة الميت لأنه إذا لم يجوز النظر إليها فالمس أولى ، روي الإمام أبو داود وابن ماجة من حديث عَلِيٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُبْرِزْ فَخِذَك، وَلَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ ) .
لذا يلبس المُغسل في يديه قُفازين من البلاستيك حتى لا يمس عورة الميت.
ثاني شيء يفعله المُغسل : أن يقوم بوضوء الميت ، فيبدأ بالإستنجاء مع رفع الجسد من ناحية الرأس قليلاً ثم عصر البطن عصراً خفيفاً حتى يضمن خروج أي بقايا من البول أو البُراز وتطمئن النفس إلى نقاء الجسد من أي نجاسة ، وبعد الإنتهاء من الوضوء ، نغسل نصف الجسد الأيمن من الرأس حتى القدم ثم نغسل نصف الجسد الأيسر من الرأس حتى القدم ثم نصب الماء على الجسد كله من الرأس للقدم فيعم الماء جميع البدن ثم نُكرر غسل الجسد ثلاث مرات حتى نتأكد من النظافة التامة لجسد الميت ، وإذا غسلنا الجسد ثلاث مرات ورأينا عدم النظافة الكاملة زدنا العدد إلى خمس مرات أو سبع مرات أو عشر مرات أو أكثر حتى يتم النظافة العامة للجسد ، مع مراعاة أن الغسلة الأولى تكون بالماء الفاتر والصابون ، والغسلة الثانية بالماء الفاتر والصابون ، والغسلة الثالثة بالماء الفاتر وأي نوع من أنواع العُطور كالمسك والزعفران .
هذا الوصف للغُسل أخذه العلماء من تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأم عطية الأنصارية حيث كانت تغسل ابنته زينب رضي الله عنها ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ : ( دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ , فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا , أَوْ خَمْسًا , أو سَبعاً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ - بِمَاءٍ وَسِدْرٍ , وَاجْعَلْنَ فِي الأَخِيرَةِ كَافُورًا - أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ ،ةوَقَالَ : ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا ) .
وقالت أُمَّ عَطِيَّةَ : وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ أي ثلاث ضفائر.
ثالث شيئ يُراعيه المُغسل : أن يتعامل المُغسل مع جسد الميت وكأنه صاحبه حي ، فلا يتعامل بعُنف عند خلع الملابس بل يتعامل برفق ولين ويقوم بتلين اليدين والقدمين في حالة وجود اي تيبس بهما وبخاصة إذا طال الوقت بين الوفاة والغُسل ، مع مراعاة ألا يكون الماء ساخن يُؤذي أو بارد يضر ، فالميت يتألم كما لو كان حياً ، روي الإمام أحمد وأبو داود من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ كَسْرَ عَظْمِ الْمَيِّتِ مَيْتًا كَمِثْلِ كَسْرِهِ حَيًّا ).
رحم الله أموات المسلمين من لدن آدم حتى قيام الساعة وألحقنا بهم على الإيمان الكامل واليقين الصادق بالله ورسوله وكتابه.
كفن الميت .
من الأمور التي يُستحب أن يعرفها كل مسلم ، أمر تكفين الميت رجل أو امرأة.
كفن الرجل يكون في ثلاثة أثواب ساترة للجسم ، ويُستحب أن تكون من الكُرسف أي القطن ، كما يُستحب أن تكون من اللون الأبيض ، فقد كُفن الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب من كرسف بيض سحولية وسحولية هي نسبة إلي بلدة سحول من بلاد اليمن تصنع هذه الأكفان ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : كُفِّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بِيضٍ ، مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ ).
أما كفن المرأة فيتكون من خمس قطع ، فقد
وقف رسول الله صل الله عليه وسلم على باب الحُجرة التي غُسلت فيها ابنته أم كُلثوم وأعطي المُغسلة أول قطعة من الكفن وهي الحِقاء أي الإزار والإزار هو ثوب يستر من السرة إلى الركبة.
ثم أعطي المُغسلة القطعة الثانية من الكفن وهي
الدِرع والدرع هو ثوب يستر جميع الجسد.
ثم أعطي المُغسلة القطعة الثالثة وهي الخِمار والخِمار هو ثوب يستر الرأس والرقبة والصدر.
ثم أعطي المُغسلة القطعة الرابعة وهي المِلحفة
والمِلحفة هي ثوب يستر الجسد كله كاللحاف الذي يتغطى به الإنسان ويستر به كل الجسم.
ثم أعطي المُغسلة القطعة الخامسة وهي ثوب يستر جميع الجسد كبير لُف فيه الجسم والأغطية الأربعة السابقة.
روي الإمام أبو داود من حديث أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لَيْلَى بِنْتَ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةَ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ قَالَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا ).
وعند الضرورة القُصوى والحاجة المُلحة يُكفن الرجل أو المرأة في ثوب واحد يستر جميع الجسد ، فقد كُفن مُصعب بن عُمير رضي الله عنه في ثوب واحد ولم يستر جميع الجسد ، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم أن يُغطي باقي الجسم بالإذخر والإذخر نوع من أنواع النباتات التي تُعرف بالحشائش ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مَنْ أَجْرِهِ شَيْئًا ، مِنْهُمْ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ : قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةٌ ، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلَاهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الْإِذْخِرِ " . وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا .
اللهم ارزقنا الفقه في الدين الإسلامي الحنيف.
مُغسل ومُكفن الأموات ، شروطه وثوابه .
من المعلوم من الدين بالضرورة أن غُسل وتكفين الميت واجب على أولياء الميت، ومن لم يكن له من الأهل والأصدقاء من يقوم بغسله وتكفينه، فعلي ولي الأمر القيام بغسله وتكفينه ودفنه من بيت مال المسلمين ، ومن يتولى أمر الغسل والتكفين والدفن لابد أن يكون عالماً بأحكام الغُسل والتكفين والدفن ، غير أن العلم وحده لا يكفي بل لابد أن يكون أميناً، روي الإمام ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمُ الْمَأْمُونُونَ " .
واشترط الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم في المُغسل أن يكون أميناً لأن المُغسل سيطلع على عورات الموتى، فربما وجد من علامات حُسن الخاتمة أو علامات سوء الخاتمة والعياذ بالله ، فإذا وجد من علامات حُسن الخاتمة وجب عليه نشرها وإعلام أهله وذويه بها حتى تقر أعينهم بميتهم، وحتى يثبت أهل الإيمان على إيمانهم عندما يرون أمارات السعادة والفرح والسرور في أجساد وأكفان وقبور أهل الإيمان ، وإذا وجد من علامات سوء الخاتمة والعياذ بالله وجب عليه كتمها وعدم نشرها أو إعلام أي أحد بها ؛ لأن هذا من الغيبة المُحرمة واغتباب الميت وتتبع عوراته مُحرم كما لو كان حياً، روى الإمام الحاكم في المستدرك من حديث أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتًا كَسَاهُ اللَّهُ مِنَ السُّنْدُسِ، وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْرًا فَأَجَنَّهُ فِيهِ أُجْرِيَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أُسْكِنَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. ). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
وإن المتأمل لحديث أبي رافع رضي الله عنه يجد ثواب من كتم مساوئ الميت، أن الله عز وجل يغفر له أربعين مرة أي أربعين ذنباً ، وجاء في رواية عند الطبراني في المعجم الكبير وصححه الحافظ ابن حجر ( غُفر له أربعون كبيرة ) .
ومن كفن ميتاً فقيراً من ماله ، كساه الله يوم القيامة من أعظم لباس أهل الجنة، ألا وهو الحرير الخالص الرقيق منه والسميك.
ومن دفن ميتاً فقيراً في قبر له، كان له كأجر مسكن إلى يوم القيامة أي كان كثواب أجر تسكينه في بيت من بيوت الدنيا إلى يوم القيامة.
بل بشر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم المُغسل الأمين بغفران ذنوبه كلها ، روي الإمام أحمد من حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ غَسَّلَ مَيِّتَاً، فَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ، وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». قَالَ: «لِيَلِهِ أَقْرَبُكُمْ مِنْهُ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ فَمَنْ تَرَوْنَ أَنَّ عِنْدَهُ حَظًّا مِنْ وَرَعٍ وَأَمَانَةٍ ) .
وأوصي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأن يكون المغسل الأمين من أقارب الميت حتى يكون أرفق وأشفق وأرغب في كل خير للميت من البعيد الذي لا يمت له بصلة ، وإذا لم يتوافر في أقارب الميت العالم الأمين ، فليختاروا مُغسل تقي أمين من غير أقاربهم، وإذا أوصى الميت بمن يُغسله ويُكفنه ويتولى أمور دفنه تُنفذ وصيته ، إذا كان المُوصي به عالماً أميناً ، لأنه لا حرج في تنفيذ وصايا الميت التي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية .
اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا علما ،
وتوفنا وأنت راض عنا.