.
مر أمامي - .. شعراء وادباء

أعلان الهيدر.اهم الاحداث

كتاب الإبداع الاسبوعى. يصدر عن دار نشر تحيا مصر للإبداع

الجمعة، 31 يناير 2025

مر أمامي

 ( مر أمامي ) 


كنت أقف خارج الشركة التي أعمل بها جذبتني هالته وطلته البهية خطفتني ملامحه الممتزجة بالطيبة والسماحة والبشاشة والوقار لحيته المكسوة بالبياض ويكأنها إنعكاس لبياض قلبه دهشتني هيئته وهندامه رغم بساطة ما يرتديه..لم يكن سوى جلباب وعليه سترة سمائية اللون وغطاء رأس مشغول و حذاء من الجلد ال  (موريتاني) هكذا نسميه في قريتنا ..كان يطوق قدمه وقد كساه غبار الشارع من أثر السير بحثًا عن قوت يومه أو بالكاد ما يسد به رمقه وبيده مسبحة كانت هي رفيقته في غياهب الدنيا ووسيلة إتصاله برب  المستضعفين ..كأنه مخلوق أتى من عالم موازي عالم تسوده الفضيلة لا تعكره جريمة  ولا تشوبه ضغينة

ولا يعتليه أو يعتريه إثم أو ظلم ولا تقترف فيه ذنوب عالم يخلو من الحروب والصراعات والمهاترات والنباحات الإنسانية التي لطالما قضت على أمنيات وآمال البسطاء..

وسط هذا الشارع الذي  على جانبيه سيارات متراصة يسير رويدًا رويدًا يلتفت يمينًا ويسارًا وأنا أنظر إليه في تعجب وتساءل؟ هل نظراته تلك حسرةً على ما هو عليه من ضيق حال أم مواساة لنفسه الأبية وروحه العفيفة المتنزهة عن ذل السؤال.. لم يكن تخيلي قد وصل إلى مبتغاه في الرد على إلتفاتاته ليبادرني ب إنحنائته نحو الأرض ليلتقط عبوات معدنية للمشروبات الغازية( can,s ) حينها شعرت بغصة في قلبي كما لو كانت طعنة خنجر لم يفتك بجوارحي فقط بل فتك بإحساسي وشعوري وعاطفتي وآدميتي من هول ما وصل إليه من فقر وضيق حال.. ف رحت أنبش في متاهات أرض ذهني الخصبة المليئة بالذكريات  مع والدي وكيف كنت أتسابق وإخوتي على إرضائه ونتفنن في إسعاد قلبه الحنون المنون ولا أنكر أننا كنا نفعل ذلك لنحصل على بعض المال أحيانًا. ل تستوقفني وتقطع حبل ذكرياتي المؤنسة صرخة من قلب ضمير الإنسانية الذي يكاد أن يشعر ببعض اليقظة وسط عالم طغى عليه الجحود وحب الذات.. كانت تلك الصرخة إشفاقًا عليه ورأفة ورحمة بقلبه الذي أنهكته  وأهلكته علل الحياة القاسية الساحقة لكل أحلام الضعفاء والبسطاء من تربية وتعليم وإطعام وكساء. ظلت أتساءل أين ولده الذي أنجبه وأفنى عمره من أجله حتى يجد نفسه في النهاية سواح يسير في مناكب الأرض بحثًا عن لقمة العيش. 


بقلم 

عصام السعدني 



التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.