مُجادلة المُخطئ بالحكمة والموعظة الحسنة .
من العوامل الهامة التي تُساعد علي انتشار الدين الإسلامي في العالم أجمع ، الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ، قال الله ( عز وجل ) لحبيبه محمداً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) في سورة النحل: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }.
ويجب أن نعلم أن الأمر في الآية الكريمة وإن كان للحبيب (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، إلا أننا أمة القرءان ، ونحن مخاطبون بما خُوطب به الحبيب (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
الدعوة إلى الله بالحكمة تعني الدعوة بالأدلة المُوضحة للحق المُزيلة للشُبهة ، وقيل المراد بالحكمة : الدعوة بكل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح .
وأما الموعظة الحسنة فهي تعني كُل طريقة يَشعر مِنها المُتلقي أنك تُريد نُصحه وتقصد ما ينفعه .
وأما المجادلة بالتي هي أحسن تعني تخير أفضل طُرق المجادلة من الرفق واللين ، من غير فظاظة ولا تعنيف .
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله : ( قد قيل: النصح ثقيل ، فلا تجعله جَدَلاً ، ولا تُرسله جبلاً ، ولا تُخرِج الإنسان مما يألف بما يكره . وقيل: الحقائق مُرّة فاستعيروا لها خِفّة البيان ) .
وخير من دعا إلي الله ( عز وجل ) بالحكمة والموعظة الحسنة هو رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فقد جاءه ذات يوم شاباً مُسلماً يُريد منه أن يُرخص له في الزنا وهو كبيرة من كبائر الذنوب ، فماذا فعل معه الحبيب (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ؟. هل اتهمه بالجنون أو بالكفر أو بالضلال أو بالإضلال؟. لا والله .
لقد حاوره حواراً عقلياً أبوياً حانياً رقيقاً مُبيناً له فساد مَطلبه ، وقُبح وشناعة مَقصده . فما كان من الشاب إلا أن أفاق من غفلته ، وأعلن توبته وعاد إلي رشده . روي الإمام أحمد من حديث أَبِي أُمَامَةَ ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ : إِنَّ فَتًى شَابًّا ، أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ. قَالُوا : مَهْ مَهْ .
فَقَالَ : ( ادْنُهْ ) ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا .
قَالَ : فَجَلَسَ . قَالَ : ( أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟. ) قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ:( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ ) .
قَالَ : ( أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟. ) قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : ( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ) .
قَالَ : ( أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟. ) . قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : ( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ) .
قَالَ : ( أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟. ) . قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ : ( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ) .
قَالَ) : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟. ). قَالَ : لَا ، وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ . قَالَ : ( وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ) .
قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ) ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ ).
اللهم ارزقنا فقه الدعوة إليك ، وتوفنا وأنت راض عنا يا أرحم الراحمين .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
احفظ الله يحفظك .
احفظ الله يحفظك ، احفظ الله أي عليك بحفظ أوامر الله ، بالقيام بها علي أكمل وجه ، أدي الصلوات الخمس في أوقاتها ، وكذا سائر العبادات ، الزم الأخلاق الفاضلة من الأمانة والصدق والإخلاص وغيرهم ، ابتعد عما حرم الله من أكل المال الحرام والغش والخداع والكذب والخيانة وغيرهم .
احفظ الله يحفظك ، وتجده تجاهك أي يحفظك الله من الآفات والمخاطر ، ويرزقك من حيث لا تدري ويُقنعك بما آتاك ، ويرزقك الراحة والسكينة والأمن والطمأنينة ، وإن ظننت أن الكون كله يعاديك فإن الله معك ؛ هذه هدية من سيد البرية ـــ سيدنا محمد ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ؛ روي أحمد والترمذي وصححه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يَوْمًا فَقَالَ : ( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) .
عبد مملوك لسيده لا يملك حريته ، يُسخره سيده في رعي الأغنام بين الجبال والسهول والوديان ، في الحر والبرد ، هذا العبد يحفظ الله بالأمانة والصدق والإخلاص في العمل مع سيده ، يحفظ الله بمراقبة الله الخالق مالك الملك فلا يأخذ إلا ما أباحه الله له ، وما حرمه الله عليه تركه .
عبد مملوك لا يملك أي شيء حتي حريته الشخصية منزوعة منه ــ لا يأكل لا يشرب لا يلبس لا ينام إلا بما يراه سيده ، ولكن مع كل هذا البؤس والضيق يحفظ أوامر الله ونواهيه ، فكان الحفظ من الله ، رزقه الله من حيث لا يدري نعمة الحرية وأتته الدنيا رغم أنفها ؛ روي الحافظ ابن عساكر في( تاريخ مدينة دمشق ) من حديث عبدالله بن دينار قال : خرجت مع عبد الله بن عمر ( رضي الله عنهما ) إلى مكة ، فعرسنا في بعض الطرق ( فعرسنا أي جلسنا للراحة بعض الوقت ) ، فخرج عبد الله بن عمر لحاجة وخرجت معه ، فانحدر عليه راع من الجبل ، فقال له عبد الله بن عمر : أراعي ؟. قال: نعم . قال : بعني شاة من الغنم .قال ؛ إني مملوك . قال : قل لسيدك أكلها الذئب . قال : فأين الله ( عز وجل) . قال عبدالله فأين الله ، ثم بكى ، ثم قال للراعي : أقريب سيدك ؟. قال : لا . قال : فاذهب معنا إلى المنزل . قال : فذهب ، فأعطاه في ثوبه طعاما ، ثم قال : إئتني أنت وسيدك غدا على الماء . ثم ذهب ، ثم غدا هو وسيده على عبدالله . فقال : بعني غلامك . فقال : نعم . فاشتراه منه ، فأعتقه ) .
وفي رواية أخري : ( فأعتقه، واشترى له الغنم ) .
وهذه فتاة مسلمة ، حفظت الله ، عاش في قلبها الإيمان ، وترجمته إلي أقوال وأفعال وأخلاق تُرضي الله الواحد الديان ، فحفظ الله لها حياتها ودينها ، ورزقها الله الزواج في بيت أمير المؤمنين ـــ عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) وهي من البسطاء الفقراء ، وكان من نسلها الطاهر خامس الخلفاء الراشدين ـــ عمر بن عبد العزيز ؛ ذكر ابن خلكان في ( وفيات الأعيان ) قال حماد بن زيد : إن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) مر بعجوز تبيع لبناً معها في سوق اللبن، فقال لها: يا عجوز لا تغشي المسلمين وزوار بيت الله تعالى ولا تشوبي اللبن بالماء ، فقالت : نعم يا أمير المؤمنين ، ثم مر بها بعد ذلك ، فقال لها : يا عجوز، ألم أتقدم إليك أن لا تشوبي اللبن بالماء ؟. فقالت : والله ما فعلت . فقالت ابنة لها من داخل الخباء: أغشاً وكذباً جمعت على نفسك ؟. فسمعها عمر ( رضي الله عنه) فهم بمعاقبة العجوز ، فتركها لكلام ابنتها ، ثم التفت إلى بنيه فقال: أيكم يتزوج هذه ، فلعل الله ( عز وجل ) يخرج منها نسمة طيبة مثلها . فقال عاصم بن عمر : أنا أتزوجها ، فزوجها إياه ، فولدت له أم عاصم، فتزوج أم عاصم عبد العزيز بن مروان، فولدت له عمر بن عبد العزيز .
اللهم ارزقنا حفظ أوامرك ونواهيك وارزقنا حفظك في الدنيا والآخرة .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
التلامس بين الرجل والمرأة ناقض للوضوء أم لا؟.
قال الله عز وجل في سورة النساء : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) .
أخذ الشافعيَّة من ظاهر اللفظ في الآية الكريمة من قول الله عز وجل ( أو لا مستم النساء) . إلى أن لمس الرجل بَشرة أي جلد أيِّ امرأة أجنبية ناقضٌ من نواقضِ الوضوء ولو كان بدون شهوة.
وذهب المالكية والحنابلة إلى أن اللمس الناقض للوضوء هو ما كان بشهوة ، أما مجرد اللمس بغير شهوة فلا ينقض الوضوء .
أما الحنفيَّة فقالوا : مسُّ المرأةِ لا ينقُض الوضوء مطلقًا، ولو بشهوةٍ, إلَّا إنْ خرَجَ مِن المتوضِّئ شيءٌ كالمذي مثلاً أو المني ، فالمذي ناقض للوضوء ( المذي هو سائل أبيض رقيق لزج يخرج من الرجل والمرأة عند التفكير في الشديد في العلاقة العاطفية ، والمني هو سائل أبيض غليظ يخرج على دفعات وهو ناقض للوضوء ويُوجب الغُسل من الجنابة) ودليلهم ؛ ما رواه الإمام أبو داود من حديث عُروة، عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبَّل امرأةً من نسائِه، ثمَّ خرج إلى الصَّلاةِ ولم يتوضَّأ. قال عروة: فقلتُ لها: مَن هي إلَّا أنتِ؟! فضَحِكَت )) .
هذا الحديثَ يدلُّ على عدَم ِنَقْضِ الوضوءِ مِن لَمْسِ المرأة، ولو كان بشهوةٍ؛ لأنَّ الأصلَ في تقبيلِ الزَّوجةِ أن يكونَ بشهوةٍ .
وكذا ما رواه الإمام البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت ؛ ( كُنْتُ أنَامُ بيْنَ يَدَيْ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورِجْلَايَ، في قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي، فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قالَتْ: والبُيُوتُ يَومَئذٍ ليسَ فِيهَا مَصَابِيحُ ).
ومن هذا الحديث يتبين أنَّه لو كان مسُّ المرأةِ ناقضًا للوضوءِ، لَمَا مسَّ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زوجتَه عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، وهو في الصَّلاةِ.
وكذا ما رواه الإمام مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( فقَدْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي علَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وهو في المَسْجِدِ وهُما مَنْصُوبَتَانِ وهو يقولُ: اللَّهُمَّ أعُوذُ برِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وبِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ، وأَعُوذُ بكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كما أثْنَيْتَ علَى نَفْسِكَ ).
-- القاعدة الفقهية تقول : « لا يُنكَر المختلف فيه»، وللإنسان أن يعمل بأيٍّ من هذه الأقوال .
اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
المَذْي وغياب العقل من نواقض الوضوء .
المذي: ماء أبيض رقيق لزج ، يخرج عند التفكير في الشهوة العاطفية وخروجه بدون دَفَق ولا يَعُقبه فُتُور كما يحدث عند خروج المَنِي الذي يكون مِنه الولد ، ويكون ذلك للرجل والمرأة على السواء ، فإذا خرج المذي بعد الوضوء وجب على المتوضأ إعادة الوضوء مرة أخري مع غسل العضو التناسلي ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وكُنْتُ أسْتَحْيِي أنْ أسْأَلَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فأمَرْتُ المِقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويَتَوَضَّأُ ).
وعند الإمام النسائى بلفظ : كنتُ رجلًا مَذَّاءً فجعلتُ أغتسلُ في الشتاءِ حتى تَشَقَّقَ ظهري، فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال : لا تفعلْ إذا رأيتَ المَذْيَ فاغسِلْ ذكرَك وتوضأْ وُضوءَك للصلاةِ، فإذا فَضَخْتَ الماءَ فاغتسِلْ ).
وهناك ماء أبيض غليظ يخرج بعد التبول ويُسميه العلماء الوَدْي ، ويخرج نتيجة حالة مرضية ، ونظراً لأنه يمر من قناة مجرى البول فيختلط بالبول فيأخذ حُكمه ، فإذا رأى المسلم والمسلمة الودي على جسده أو ثيابه ، وجب عليه غسل المكان بالماء وغسل العضو التناسلي بالماء وإعادة الوضوء مرة أخري إن كان متوضأ .
قال ابن قدامة في المغني: وأما الودي فهو ماء أبيض يخرج عقيب البول خاثر، فحكمه حكم البول سواء، لأنه خارج من مخرج البول وجار مجراه. انتهى.
قد يغيب عقل الإنسان والعياذ بالله عند الإصابة بمرض الجُنون، أو يغيب عقله مؤقتاً بتعاطي أحد المُسكرات ، أو يغيب عقله مؤقتاً بإغماء نتيجة الإصابة بمرض أو حدوث حادث آخر أدي إلى ذلك أو قد يغيب عقله مؤقتاً بسبب النوم العميق ، ففي كل هذه الحالات السابقة وأشباهِهِا إذا كان المسلم متوضأ ثم أفاق من غفلته وجب عليه إعادة الوضوء مرة أخري لأنه لا يدري ما حدث به ، فقد يكون قد أخرج ريح ، روي الإمام أحمد والدارمي من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العَيْنَين وِكَاء السَّه، فإذا نَامَت العَينان اسْتٌطْلِقَ الوِكَاءُ».
وروي الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: إنَّ السَّهَ وِكاءُ العَيْنِ، فمَن نام فلْيَتَوضَّأْ ).
ومعنى هذا الحديث أن العينين في حال اليقظة تحفظ ما يخرج من الدُبر، ، "فإذا نَامَت العَينان اسْتَطْلَقَ الوِكَاءُ" أي أن الإنسان إذا نام حصل عنده استرخاء في عضلات البدن، فقد يخرج منه الرِّيح من غير أن يَشْعُر به. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- شبه العَين بالحَبل الذي يُشَدُّ به على فتحة قِربة الماء ، فكذلك العينان إن كانتا مفتوحتان كانتا مِثل الحَبْل المشدود على حلقة الدُبر، فإن خرج منها شيء شَعَر به، وإن نامت العينان استرخى الوِكَاء المشدود على حلقة الدُبر فخرج الريح وانتقض الوضوء مثل القِرَبة التي يرتخي الحبل المشدود عليها فيخرج منها الماء من غير أن يَشْعُر أحد بخروجه.
وهذا من باب التشبيه وهو: تشبيه بليغ من النبي -صلى الله عليه وسلم- ليُقَرب الحكم الشرعي إلى الأذهان، وهو من جوامع الكلم التي أُوتيها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أما إذا نام المتوضأ نوماّ خفيفاً يُدرك فيه حالة نفسه هل خرج منه ريح أم لا ، فإن تأكد بعد هذا النوم الخفيف أنه لم يخرج منه ريح صلى بوضوءه ولا تجب عليه إعادة الوضوء مرة أخري ؛ لأن بعض الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجلسون في المسجد بعد صلاة المغرب ينتظرون صلاة العشاء ، وفي بعض الأحيان قد تخفِق رأس أحدهم أي تميل جهة اليمين أو جهة اليسار أو للأمام أو للخلف من غلبة النوم ثم يُصلي العِشاء الآخرة أي صلاة العشاء دون أن يتوضأ لأنه في هذه الحالة ما غاب عقله وفي حالة إدارك تام ، وكانوا يُطلقون على صلاة العشاء صلاة العشاء الآخرة تمييزاً لها عن صلاة المغرب فإن المغرب أو العشاء أي أول الليل ، روي الإمام مسلم وأبو داود واللفظ له من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال كانَ أصحابُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ينتظِرونَ العِشاءَ الآخرةَ حتَّى تخفقَ رءوسُهُم ، ثمَّ يصلُّونَ ولا يتَوضَّؤونَ) .
اللهم ارزقنا الفقه في ديننا الإسلامي الحنيف وجنبنا الزيغ والزلل .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
آداب اللقاء والإنصراف .
ماذا تفعل أخي المسلم حين تلق أخاك المسلم ، وماذا تفعلين أختي المسلمة حين تلقين أختك المسلمة ، من آداب اللقاء في الإسلام أن يكون اللقاء بتبسم الوجه لأن البسمة على الوجه تُدخل الطمأنينة والسكينة في قلب من تُقابله ، ولا يشعر بتكبر منك عليه بل تُشعر البسمة بأنك مثله وإن كان أكثر منك مالاً وجاهاً ،
روي الإمام مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( لا تحْقِرَنَّ من المعرُوفِ شيْئًا ، ولوْ أنْ تلْقَى أخاكَ بوجْهٍ طلْقٍ ).
ومن آداب اللقاء إلقاء السلام بقولك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وهو دعاء منك لأخيك بأن يحل عليه السلام والأمن والأمان والطمأنينة والبركة من الله عز وجل ، روي الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( حَقُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ سِتٌّ قيلَ: ما هُنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاكَ فأجِبْهُ، وإذا اسْتَنْصَحَكَ فانْصَحْ له، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ ).
ومن آداب اللقاء السلام باليد بعد السلام باللفظ ، الرجل يسلم على أخيه والمرأة تسلم على أختها ، ومن فضل الله على عباده أن جعل ثواب المُصافحة غفران الذنوب لكل منهما ، لأن المُصافحة تدل على نقاء القلب وخلوه من الحِقد والحَسد والغِل ، روي الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمَينِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أنْ يَفْتَرِقَا ). وعند الإمام البيهقي في كتابه شُعب الإيمان من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( إذا التقى المسلمانِ فتصافحا تحاتَت عنهما ذنوبُهما كما يَتحاتُّ عن الشجرةِ اليابسةِ ورقُها ) .
أما إذا إلتقي رجل بإمرأة أو إمرأة برجل ، يجوز أن يُسلم الرجل على المرأة وتُسلم المرأة على الرجل باللفظ فقط دون التسليم باليد ، لأن الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم دخل المسجد ذات يوم وعُصبة من النساء قعود أي جماعة من النساء جالسات فسلم عليهن باللفظ وأشار بيده ، روي الإمام أبو داود والترمذي من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها أنها قالت: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ مرَّ في المسجدِ يومًا وعُصبةٌ مِن النِّساءِ قُعودٌ فألوَى بيدِهِ بالتَّسليمِ ).
وإذا أراد أن ينصرف المسلم مِن مع أخيه يُستحب أن يقول دعاء كفاره الذنوب ، لأن المُتلاقيان قد يصدر منهما بعض التجاوزات في الحديث ، روي الإمام أبو داود من حديث أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنْ الْمَجْلِسِ : ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ ) وَقَالَ : ( كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ ) .
كما يُستحب أن يُلقي المسلم على أخيه السلام قبل أن ينصرف ، وأن يقرأ كل منهما سورة العصر ففيها التذكير بالباقيات الصالحات واجتناب المحرمات ، روي الإمام الطبراني في في المعجم الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ قَالَ : ( كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ : " وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ " ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ ).
اللهم أدبنا بأدب الإسلام في الأقوال والأعمال والنيات .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
العشر الأوائل من ذي الحجة.... فانتبه!!!! .
قال الله عز وجل في سورة الفجر: ( وَٱلۡفَجۡرِ * وَلَیَالٍ عَشۡرࣲ * وَٱلشَّفۡعِ وَٱلۡوَتۡرِ * وَٱلَّیۡلِ إِذَا یَسۡرِ* هَلۡ فِی ذَ ٰلِكَ قَسَمࣱ لِّذِی حِجۡرٍ ) .
أقسم الله عز وجل ببعض مخلوقاته لبيان فضلها ، فعندما يحلف الله سبحانه وتعالى بوقت الفجر ، والليالي العشر الأوائل من ذي الحجة ، والشفع وهو يوم عيد الأضحى والوتر وهو يوم عرفة ، والليل إذا يسر أي إذا حل بعد النهار حيث يكون الراحة بعد التعب .
هذا القسم من الله عز وجل لنا ، حتى يُحرك نوازع الخير فينا فنقوم بالعبادة والطاعة في هذه الأوقات الفاضلة عند الله ، فيري الله عز وجل كل ذي حجر أي كل ذي عقل راجح قد فهم مُراد الله عز وجل واستغل هذه الأوقات في الطاعة والعبادة .
العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة أعظم أجرأ عن سائر الأيام ، العمل الصالح قد يكون كلمة طيبة تُرشد بها عاص فيتوب أو لُقمة في فم جائع فيفيق ، العمل الصالح هو كل ألوان البر والإحسان إلى عباد الله.
ثواب العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة يُعادل ثواب المجاهد في سبيل الله الذي خرج بنفسه وماله فمات شهيداً وأخذ العدو ماله أي أنه جاد بنفسه وماله لله ، وهو أعلي الشهداء منزلة عند الله.
روي الإمام البخاري والترمذي واللفظ له من حديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (ما مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ).
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ).
من العمل الصالح في العشر الأوائل من ذي الحجة صيام الأيام التسعة الأولى ، روي الإمام أبو داود من حديث هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ).
من العمل الصالح في الأيام العشر الأوائل من ذي الحجة الإكثار من التهليل أي الإكثار من قول: لا إله إلا الله ، والإكثار من التكبير أي الإكثار من قول: الله أكبر ، والإكثار من التحميد أي الإكثار من قول: الحمد لله .
روي الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ) .
تذكر يا عبد الله ثواب هذه الأذكار ، واجعل لسانك يتغنى بها فتملأ قلبك بالسكينة والطمأنينة والأنس بالله عز وجل ، روي الإمام أحمد من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ اصطَفى مِن الكَلامِ أَربعًا: سُبحانَ اللهِ، والحَمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أَكبَرُ. قال: ومَن قال: سُبحانَ اللهِ كُتِبَ له عِشرون حَسَنةً، وحُطَّ عنه عِشرون سَيِّئةً، ومَن قال: اللهُ أَكبَرُ فمِثلُ ذلك، ومَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ فمِثلُ ذلك، ومَن قال: الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين مِن قِبَلِ نَفْسِه؛ كُتِبَ له بِها ثَلاثون حَسَنةً، وحُطَّ عنه بِها ثَلاثون سَيِّئةً ).
لا تنس يا عبد الله: تلاوة القرآن الكريم في هذه العشر الأوائل من ذي الحجة وليكن لك منه نصيب كبير.
اللهم وفقنا لطاعتك ورضاك وحسن لقاك ، يا رب العرش العظيم ويا أرحم الراحمين .
بقلم . د/ عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
المرافق العامة بين تعظيم النفع والتعدي عليها .
عندما هاجر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، وجد أهل المدينة يشربون من بئر ماء تُسمي بئر رُومة ، وكان صاحبها يبيع الماء ، القِربة من الماء بمُد من الطعام ، والمُد حِفنتان بيدي الرجل ويعادل كيلو جرام وربع ، قِربة الماء التي تُشبه القُلة الفُخار الكبيرة تُشتري بكيلو وربع من حبوب القمح أو الشعير أو التمر ، مشقة بالغة عاني منها المسلمون الأوائل ؛ لذا ندب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الأموال أن يقوموا بشراء بئر رُومة من صاحبها وجعلها للمنفعة العامة لعموم المواطنين ، ومن يفعل ذلك فله الجنة.
ضاق المسجد النبوي بأهله وأراد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم توسعته حتى يستوعب الزيادة في عدد المصلين ، ندب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الأموال أن يقوموا بشراء الدُور المُحيطة بالمسجد على أن تُهدم وتُضاف للمسجد ، ومن يفعل ذلك فله الجنة .
عَلِمَ الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن دولة الروم الكُبري تُخطط لغزو دولة الإسلام الوليدة والقضاء عليها ، وكان الوقت غير مناسب للمسلمين ، فقد كان الجو حاراً ، وكان الوقت وقت اقتراب جني ثمار النخيل ولم يكن بأيدي الكثير من الناس المال الذي يُمكنهم من الخروج كجنود محاربين في الجيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لذا ندب رسول الله صلى الله عليه أهل الأموال أن يقوموا بتجهيز المحاربين بما يحتاجونه من ركائب وطعام وشراب وسلاح ، ومن يفعل ذلك فله الجنة .
قام سيدنا عثمان بن عفان رضي الله وأرضاه بشراء بئر رومة وجعلها منفعة عامة للمسلمين ، واشتري الدُور المُحيطة بالمسجد النبوي وضمها إلى المسجد منفعة عامة للمسلمين ، وقام بتجهيز تِسعمائة من الركائب بكل ما يحتاجه الجندي من طعام وشراب وسلاح وجعلها منفعة عامة للمسلمين .
إنشاء المرافق العامة التي تخدم عموم أهل الوطن ثوابها الجنة ومن يُعظم من كفاءتها ويسعى على عنايتها والرقي بها ثوابه الجنة ؛ روي الإمام الترمذي وحسنه من حديث ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ قَالَ فَجِيءَ بِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا جَمَلَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ قَالَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلَانٍ فَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ ثُمَّ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الْجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالْحَضِيضِ قَالَ فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ اسْكُنْ ثَبِيرُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ قَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ ثَلَاثًا ) .
من يجترئ على الإعتداء على المرافق العامة بتخريبها أو تعطيل العمل بها ، فعِقابه اللعن من الله والناس ، فالذي يتخلي أي يتبول ويتبرز في أماكن ظِل الناس أو في طريق مرورهم استوجب اللعن ؛ روي الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ" قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهم ).
اللهم سَلمنا من أي أذى يُصيب عبادك ، واجعلنا سبباً لكل خير يُصيب عبادك ولو بنية صادقة أو كلمة طيبة أو فعل متواضع.
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
خروج الدم من أي أعضاء الجسم كالأنف والفم ناقض للوضوء أم لا .
خروج الدم من الأنف أو الفم أو من جُرح من أي أعضاء الجسم ، وكذا خروج القيح والصديد من الأجزاء المُصابة من الجسم ، هل ينقض كل ما سبق الوضوء أم لا ؟
وحكم القيح والصديد عند الفقهاء هو حكم الدم لأن أصلهم دم ، وَالصَّدِيدُ : هو ماء الجرح الرقيق المختلط بدم قبل أن يغلظ ويصير قيحاً .
والْقَيْحُ : هو السائل اللزج الأصفر الذي يخرج من الجرح ونحوه لفساد فيه " .
يري المالكية والشافعية عدم نقض الوضوء من الدم الخارج من الأنف أو الفم أو غيرهما من أعضاء الجسم وكذا القيح والصديد ، روي الإمام أبو داود من حديث جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا ، فَقَالَ : مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا ؟ (أي يحرسنا) . فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ ، فَقَالَ : كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ . قَالَ : فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي ، وَأَتَى رَجُل من المشركين ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، فَنَزَعَهُ ، حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاثَةِ أَسْهُمٍ ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنْ الدَّمِ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! أَلا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى ؟ قَالَ : كُنْتَ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا.
قال أهل العلم : هذا الحديث واضح الدلالة على أن الدم لا يَنقُض الوضوء ولو كان كثيراً ، لأنه لو كان ينقض لخرج هذا الصحابي من الصلاة .
قال النووي رحمه الله في المجموع : " وعَلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يُنكِره ".
وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه : "وقال الحسن : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم .
وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز : ليس في الدم وضوء .
وعصر ابن عمر بَثْرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ . وبزق بن أبي أوفى دماً فمضى في صلاته .
وقال ابن عمر والحسن فيمن يحتجم : ليس عليه إلا غسل محاجمه " .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري : " وقد صح أن عمر صلى وجُرحه يَنبُع دما ".
والخلاصة: أن هذا كله يدل على أن خروج الدم من غير السبيلين (السبيلين أي القُبل والدُبر والقُبل هو عضو الذكورة أو الأُنوثة والدُبر هي فتحة الشرح ) لا ينقض الوضوء .
بينما يرى الحنفية والحنابلة الوضوء من نزول الدم الكثير من الأنف أو الفم أو غيرهما من أعضاء الجسم ، وكذا القيح والصديد ، روي ابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أصابه قيء أو رُعافٌ، أو قَلَسٌ أو مَذْي، فلينصرف، فليتوضأ، ...))
وقال علماء أصول الفقه: إذا وقع الخلاف فاخرج من الخلاف باتباع أحد الرأيين ، وقالوا: لا إنكار في المختلف فيه.
ومعنى كلامهم: اتبع أي رأي من الأراء في المسألة الخلافية ، ولا أحد يُنكر على أحد أي لا يعيب أحد على أحد في اتباع أي الأراء فكلها صحيح .
اللهم ارزقنا الفقه في ديننا الإسلامي الحنيف وجنبنا الزيغ والزلل .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
خاطرة إنسانية .
في عام ٢٠٠٨ م ، رأيت رؤيا وتكررت كثيراً ، رأيت أنني أسير في طريق واسع ، وعلي جانبي الطريق عمارات سكنية جميلة عالية البناء ، وكلما أسير بعض الوقت ، أجد مكتوباً علي جُدران إحدى العمارات : إلي المسجد الحرام ، فقلت في نفسي : إنها بشارة من الله ( عز وجل ) بأنني سأحج بيت الله الحرام ، ولكن نظرت في أحوالي المعيشية ، فوجدتها تأبي ذلك ، فقلت في نفسي : صاحب البشري هو الله ( عز وجل ) ، وسيدبر الأمر كيف يشاء بقدرته ، فإن الكون كله مِلك له ، يتصرف فيه كيف يشاء .
مرت الأيام ، وقرأت إعلان عن مسابقة علمية في وزارة الأوقاف التي أعمل بها ، والجوائز لعدد من الفائزين الأوائل ، رحلة حج مجانية ، فقلت في نفسي : بدأ الطريق لرحلة الحج إلي بيت الله الحرام ، دخلت المسابقة وكنت من الأوائل ، لكن لم أكن من الفائزين برحلة الحج المجانية .
في عام ٢٠٠٩م ، لم أتقدم لتلك المسابقة ، علي الرغم من علمي بموعد انعقادها ، ولكن كانت المفاجأة : أرسلت لي إدارة المسابقة ، إفادة بالحضور إلي إداراتها للأهمية ، ذهبت إلي إدارة المسابقة ، فإذا باختبار منعقد لأوائل العام الماضي ، الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز ، دخلت الاختبار علي غفلة ودون ترقب ، وكنت بفضل الله وحده من الفائزين برحلة الحج المجانية .
رسائل البُشري والطمأنينة من الله لعباده ، قد لا تتحقق فور رؤيتها ، بل قد تتأخر بعض الوقت يطول أو يَقصُر ، وِفق مُراد رب الكون في علاه .
إن يوسف عليه السلام ، رأي سجود الشمس والقمر والكواكب الأحد عشر له ، وتحققت رؤيته بعد عشرات السنوات ، بدخول أبيه وأمه وإخوته الأحد عشر عليه في مصر ، ولم يفقد الأمل يوماً في بشارة ربه ، وكذا والده الكريم يعقوب عليه السلام ، الذي يبعث فينا الأمل والرجاء والتفائل ، رغم قسوة الأحداث ، حيث قال ، وحكي ربنا ( عز وجل ) مقالته في سورة يوسف: { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }.
كتبت هذه الخاطرة لأن المريض قد ييأس من الشفاء لطول فترة المرض ، والمكروب قد ييأس من زوال همه وغمه لطول فترة الكرب ....إلخ من الأمثلة .
وأقول للكل : خذ بالأسباب ، وضع أملك ورجائك عند ربك ، وسَيَتحقق ولو بعد حين .
يا الله ، يا رب العالمين ، يا رحمن يا رحيم ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم ، يا حنان يا منان ، يا بديع السموات والأرض ، نسألك أن تُعطي كل راج في عفوك ومعافاتك رجائه .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
الداء والدواء .
حفظ الفروج عما حرم الله من صفات المؤمنين ، قال الله عز وجل في سورة المؤمنون : ( والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذَلِكَ فأولئك هُمُ العادون ).
إذا لم تمتثل الأمة لتعاليم ربها بحفظ الفروج عن الحرام ، كان العقاب الإلهي بنزول الأمراض التي لا يعرف الناس لها علاج ، وتحصد الأرواح من هنا وهناك ، لعلهم يفيقون ويرجعون إلى تعاليم الإسلام .
وإذا باعت الأمة ما يُكال أو يُوزن بدون العدل والحق والصدق والأمانة في الكيل والوزن ، كان العقاب من الله بالسنين أي بقلة نزول المطر من السماء ، فيهلك الزرع والثمر وتجف ضروع المواشي من اللبن ، وينتشر الجوع والعطش والفقر، ويحدث الشدة في المُونة أي يحدث الغلاء والضيق في المعيشة ، ويعاني الناس من ظلم السلطان لهم .
وإذا تكاسلت الأمة عن إخراج الزكاة ، كان العقاب الإلهي بعدم نزول المطر من السماء إلا أن الله عزّ وجل يُنزله بمقدار قليل رحمة بالحيوانات التي لا ذنب لها ، ولولا وجود البهائم لأهلك الناس بالجفاف التام.
وإذا ضاعت العهود والمواثيق بين الناس ولم يحترموها بالتطبيق والوفاء بها لأصحابها ، كان العقاب الإلهي بتسليط بعض الأعداء على الناس لينتزعوا منهم بعض ما يملكون .
وإذا تكاسلت الأمة عن تطبيق تعاليم الإسلام في كافة أحوالهم ، وأخذت ببعض التعاليم الإسلامية وتركت البعض ، كان العقاب الإلهي بزول البغضاء والشحناء والكراهية فيما بينهم . روي الإمام ابن ماجه في سننه والطبراني في المعجم والحاكم في المستدرك ، والبوصيري في إتحاف الخيرة المهرة واللفظ له من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : كنْتُ عاشِرَ عشرةٍ في مسجِدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقام فتًى من الأنصارِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أيُّ المؤمنينَ أفضَلُ؟ قال: أحسَنُهم خُلقًا.
قال: فأيُّ المُؤمنينَ أكيسُ؟ قال: أكثرُهم للموتِ ذِكْرًا وأحسَنُهم استعدادًا قبلَ أنْ ينزِلَ به، أولئك الأكياسُ.
قال: ثمَّ إنَّ الفتى جلَسَ، فأقبَلَ علينا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا معشرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم -وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ-: لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم.
ثمَّ أمَرَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ يَتجهَّزُ لسَرِيَّةٍ يبعَثُه عليها، فأصبَحَ عبدُ الرَّحمنِ وقد اعتَمَّ بعمامةٍ كَرابيسَ سوداءَ، فنقَضَها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعمَّمَه، وأرخى من خلْفِه أربعَ أصابعَ أو قريبًا من شِبْرٍ، ثمَّ قال: هكذا فاعتَمَّ يا ابنَ عوفٍ؛ فإنَّه أعرَفُ وأحسَنُ.
ثمَّ أمَرَ بِلالًا، فرفَعَ إليه اللِّواءَ، فعقَدَه، ثمَّ قال: خُذْ يا ابنَ عَوفٍ، فسَمِّ اللهَ، واغْزُوا في سَبيلِ اللهِ، فقاتِلوا من كفَرَ باللهِ، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِروا، ولا تُمَثِّلوا، ولا تَقْتلوا دابَّةً؛ فهذا عهدُ اللهِ فيكم وسُنَّةُ رسولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ) .
فهذا نداء لكل مسلم ومسلمة أن يراجع حاله مع الله ، وأن يجاهد نفسه وهواه ، حتى يعمنا الخير من الله ، فالله سبحانه وتعالى بيده مقاليد كل شيء ، يقول للشيء كن فيكون ، فهو القائل في سورة يس : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ).
اللهم إنا نسألك بأسماءك الحُسني وصفاتك العُلي أن تتوب علينا لنتوب ، وأن تعمنا بالخير واليمن والبركات.
بقلم . د/ عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
إياك يا عبد الله أن تخالف أمر الله وأمر رسوله ؟؟؟..
طاعة الله وطاعة رسوله فيها الفلاح والنجاح والتوفيق والسداد في كل أمور الحياة ، ومعصية أوامر الله وأوامر رسوله فيها الخسارة والندامة في الحال وفي المآل يوم القيامة .
في يوم غزوة أُحد خرج المشركون لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودارت رحي المعركة بين الفريقين ، وصدرت الأوامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمسين من المقاتلين معه أن يقفوا فوق جبل أُحد لحماية ظهر جيش المسلمين ، وألا يتركوا أماكنهم فوق الجبل أبداً إلا في حالة صدور أمر من رسول الله لهم بترك أماكنهم .
انتصر المسلمون في بداية المعركة ولم يصدر أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم للخمسين مقاتل بترك أماكنهم ، لكن ترك المقاتلون أماكنهم فوق الجبل من أجل النزول لجمع الغنائم وذلك بمخالفة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بمخالفة أمر قائدهم الذي ذكرهم بأمر رسول الله لهم.
جيش المشركين المُنهزم والمُنسحب من أرض القتال رأى المُقاتلين المسلمين تركوا أماكنهم فوق الجبل ، فإذا بهم يصعدون الجبل من الخلف وينزلون من فوق الجبل وراء جيش المسلمين ، ويقومون بقتال المسلمين من الأمام والخلف ، وينتصروا عليهم ويقتلوا سبعين من خِيرة المسلمين ، ويُصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بجراح عديدة ، ويتحول النصر للمسلمين إلى هزيمة ثقيلة بسبب مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومخالفة أمر قائد من قواد جيش المسلمين .
يقول أهل العلم : لو نصر الله المسلمين في غزوة أُحد وقد خالف بعضهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتاد المسلمون مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم خالفوا أمره وانتصروا ، ولكن كان عقاب المُخالفة الفوري بالهزيمة حتى يتبين للقاصي والداني أن مخالفة أمر الله وأمر رسوله الهزيمة الفورية ، فلا فلاح ولا صلاح ولا تقدم ولا ازدهار مع مخالفة أمر الله وأمر رسوله.
روي الإمام أبو داود في سننه من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قَالَ: ( جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، وَقَالَ: ( إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطِفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ لَكُمْ ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ ).
قَالَ : فَهَزَمَهُمْ اللَّهُ ، قَالَ : فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يُسْنِدْنَ عَلَى الْجَبَلِ ، فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟.
فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ ، فَأَتَوْهُمْ فَصُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ ) .
إذا أردت يا عبد الله تقدماً وصلاحاً وفلاحاً ونجاحاً في دنياك وآخرتك ، عليك بطاعة الله وطاعة رسوله في أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك وفي سرك وعلانيتك
اللهم اجعلنا من الذين ينصرون أمر الله وأمر رسوله على شهوات النفس والهوى ، واجعلنا ما أحييتنا من الراشدين .
بقلم . د/ عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

ماذا لو اجتمع العيد والجُمعة في يوم واحد ؟؟ ؟؟؟.
روي الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ : هَلْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا ؟. قَالَ: نَعَمْ ، صَلَّى الْعِيدَ أَوَّلَ النَّهَارِ ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ : { مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ }
وروي الإمام أبو داود وابن ماجه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ } .
وروي الإمام أبو داود والنسائي واللفظ له من حديث وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { اجْتَمَعَ عِيدَانِ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَأَخَّرَ الْخُرُوجَ حَتَّى تَعَالَى النَّهَارُ ، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : أَصَابَ السُّنَّةَ . }
يُستفاد من الأحاديث الثلاثة السابقة ما يلي: --
(١) من حضر صلاة العيد فيُرخص له في عدم حضور صلاة الجُمعة، ويصلي الظهر في وقته ، وإن صلى الجُمعة مع الناس فهو أفضل.
(٢) من لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولا يسقط عنه وجوب الجُمعة، ويجب عليه السعي إلى المسجد لصلاة الجُمعة.
(٣) يجب على إمام مسجد الجُمعة إقامة صلاة الجُمعة في يوم العيد ليشهدها من شاء شهودها .
هذا هو المُختصر المُفيد في اجتماع الجُمعة والعيد .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
وضوء أصحاب الأعذار .
عندنا باب في الفقه يُسمي باب وضوء أصحاب الأعذار ، هذا الباب يختص بثلاث فئات : ---
الفئة الأولى : أصحاب سلس البول وهم الذين يعانون من نزول قطرات من البول طُوال وقت الفريضة بحيث لا ينقطع البول فترة يتمكن فيها المصاب من الوضوء والصلاة .
الفئة الثانية : أصحاب انفلات الريح وهم الذين يعانون من خروج ريح طُوال وقت الفريضة بحيث لا ينقطع فترة يتمكن فيها المصاب من الوضوء والصلاة .
الفئة الثالثة : أصحاب الاستحاضة من النساء وهم الذين يعانون من نزول دم طُوال الشهر ، حيث ينتهي دم الحيض ويظهر دم الاستحاضة ، ودم الحيض تعرفه كل إمرأة وهو دم أحمر قاتم يعلوه سواد وذو رائحة مُنتنة ، ينزل دم الحيض يوم وليلة وقد ينزل ثلاثة أيام وقد ينزل خمسة أيام وقد ينزل عشرة أيام وقد ينزل أقل من ذلك وكل إمرأة تحفظ وتعرف جيداً مُدة حيضها .
المرأة المستحاضة هي إمرأة ينزل عليها دم الحيض وبعد إنتهاء مُدة دم الحيض المعروف ينزل عليها دم جديد أحمر ليس بقاتم ولا مُنتن وهو دم من عِرق في أسفل الرحم ويستمر نزول هذا الدم حتى نزول دم الحيض للشهر الثاني ، إذن هي إمرأة ينزل عليها دم طُوال الشهر .
المرأة المستحاضة جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته هل أترك الصلاة لأن نزول الدم يُلازمني طُوال الشهر؟.
فكانت الإجابة : إذا انتهى دم الحيض المعروف اغتسلي أي غُسل الطهارة المعروف عند الجنابة ثم توضئي لكل صلاة وإن نزل الدم على الحصير أي إذا أذن المؤذن للفجر ، تقوم المرأة المستحاضة بالإستنجاء وتنظيف الجسم من أي دم ثم تضع قطعة من القطن أو القماش عند مكان نزول الدم حتى تتحرز من تلوث الجسد والملابس ثم تتوضأ مباشرة وتُصلي الفجر وما شاءت من صلاة التطوع وإذا نزل دم أثناء الوضوء أو الصلاة لا حرج عليها والوضوء صحيح والصلاة صحيحة لأنها صاحبة عُذر ولا يوجد وقت يمتنع فيه الدم حتى تُصلي والصلاة فريضة لا تُتُرك أبداً ، ومن المعروف أن المرأة أيام الحيض لا تُصلي لأن دم الحيض نجس والله عز وجل لم يطلب منها إعادة الصلاة بعد الطهارة رحمة بها .
صاحب سلس البول كالمستحاضة في الحكم ، يتوضأ بعد الأذان ويُقدم الإستنجاء قبل الوضوء ويمنع نزول قطرات البول على جسده وثيابه برش الماء بعد الإستنجاء على ثوبه الداخلي فإذا نزلت قطرات البول على الثوب الداخلي المُبلل صارت طاهرة وبعد الوضوء يُصلي ، ولا حرج عليه إن نزلت قطرات بول على جسده وثيابه أثناء الوضوء أو الصلاة فهو صاحب عُذر ، ويُصلي كالمستحاضة بالوضوء الفرض وما شاء من صلاة التطوع ، ولا يُصلي صاحب عُذر بالوضوء أكثر من فرض واحد ، بل لكل فرض وضوء مخصوص.
صاحب انفلات الريح كالمستحاضة وصاحب سلس البول ، يتوضأ بعد الأذان ويُقدم الإستنجاء قبل الوضوء ، ويتوضأ ويُصلي بالوضوء الفرض وما شاء من صلاة التطوع ، ولا يجمع بوضوء واحد فرضين كالمستحاضة وصاحب سلس البول . روي البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي - قالَ: وقالَ أبِي: - ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ ) .
وفي رواية أبي داود والترمذي وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : ( اجتَنبي الصَّلاةَ أيَّامَ مَحيضِكِ، ثم اغتَسِلي، وتوَضَّئي لِكُلِّ صَلاةٍ، ثم صَلِّي، وإنْ قَطَرَ الدَّمُ على الحَصيرِ ).
اللهم ارزقنا الفقه في ديننا الإسلامي الحنيف وجنبنا الزيغ والزلل .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
يوم عرفة فضائل وأحكام.... فانتبه !!!!! .
ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في التفسير وغيره: أن تسمية يوم عرفة بهذا الاسم؛ لأن الناس كانوا يتعارفون فيه، وقيل: لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم عليه السلام فكان يُريه المشاهد، فيقول له: أعَرَفتَ أعرفت؟ فيقول إبراهيم عليه السلام: عَرَفتُ عرفت، وقيل: لأن آدم عليه السلام لما أُهبِط من الجنة هو وزوجه التقيا في ذلك المكان، فعرَفها وعرَفَتْهُ.
يُستحب صيام يوم عرفة لغير الحاج لما له من الفضل العظيم ؛ حيث ثبت عن الحبيب المصطفى صل الله عليه وسلم أن صيام يوم عرفة يُكفر ذنوب سَنتين ، سَنة مضت وسَنة قادمة ، وتكفير الذنوب إنما هو للصغائر فقط ، وأما كبائر الذنوب كالسرقة وشُرب الخمر مَثلاً
فلابُد من التوبة النصوح ورد المظالم لأصحابها.
أما تكفير ذنوب سَنتين ، سَنة مضت فهذا واضح ، أما تكفير ذنوب سَنة قادمة فمعناه التوفيق من الله عز وجل فلا يفعل الكبائر وإن فعل صغائر الذنوب رزقه الله التوبة فلا يُصر على الذنوب ، روي الإمام أحمد والترمذي وحسنه من حديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ).
أما الحاج الواقف بعرفة في يوم عرفة فيُستحب له الإفطار في يوم عرفة حتى يتقوي على العبادة ؛ لما ثبت أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان مُفطراً في يوم عرفة في الحج ، روي الإمام الترمذي وصححه من عبد الله بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ ).
كما ثبت عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أنهم لم يصوموا يوم عرفة في الحج ، غير أن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد صرح بأن من صام يوم عرفة وهو في الحج لا أنهاه عن ذلك ، وهذا يدل على جواز صيام يوم عرفة للحاج الشديد القوي الذي يستطيع أداء مناسك الحج بسهولة ويُسر ولا يُعيقه الصيام عن أداء مناسك الحج ، روي الإمام الترمذي وحسنه من حديث ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ : حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصُمْهُ ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ ، وَمَعَ عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ ، وَمَعَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَصُمْهُ ، وَأَنَا لَا أَصُومُهُ وَلَا آمُرُ بِهِ وَلَا أَنْهَى عَنْهُ ).
ويُستحب كثرة الدعاء في يوم عرفة بقول:( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) : لما جاء في الحديث عند الإمام الترمذي من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .
غير أن المتأمل في قول:( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يجد أن هذا القول هو ثناء أي مدح لله عز وجل بأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى ، وأنه سبحانه وتعالى المُستحق للحمد لأنه وحده الخالق المُنعم على عباده ، والإنشغال بهذا الذكر يكون سبب في استجلاب الخيرات وصرف المُنكرات عن الذاكر ؛ فهذا الذكر يكون من باب التعريض بالمسألة أي يارب أتقرب إليك بالإقرار والإعتراف بأنك الواحد الأحد ، لا رب غيرك ولا معبود سِواك ، أنت المُتفضل على عبادك بالنِعم وصرف النِقم ، فأعطني من الخيرات ما يُصلح حالي ، واصرف عني ما يؤرقني من الشدائد والمِحن ؛ ويؤكد هذا المعنى ما رواه الإمام ابن حبان في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صل الله عليه وسلم: ( إذا أصاب أحدَكم غمٌّ أو كَربٌ فليقُلِ : اللهُ ، اللهُ ربِّي لا أُشرِكُ به شيئًا ) ،
وما رواه الإمام أحمد من حديث عَبْد اللهِ بْن بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَقَالَ:( قَدْ سَأَلَ اللهَ بِاسْمِ اللهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ) .
اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ أن تغفر ذنبي وتُطهر قلبي وتُحسن خاتمي ، وأسألك لي ولعموم المسلمين من خير ما سألك به عبدك ورسولك سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
مجاهدة النفس ، أرفع منازل الجهاد .
ما أعظم أن يُجاهد الإنسان نفسه حتى يحملها على مُراد الله ورسوله ، إذا جلس يُفكر كان تفكيره من أجل مرضات الله ورسوله، وإذا تكلم أو فعل شيئاً كان من أجل مرضات الله ورسوله ، مجاهدة النفس من أجل الوصول إلى عظائم الأمور هو الطريق الوحيد لنيل ثوابها ، لن يكون المجاهد في ساحات قتال الأعداء مجاهداً له الجنة ونعيمها إلا إذا جاهد النفس بأن عمله خالصاً لوجه الله ، لن يكون المُتصدق مُتصدقاً له الثواب العظيم إلا إذا تجرد من الرياء والتفاخر وحُب الذكر بعمله وكانت الصدقة من أجل مرضات الله ، وهكذا في كل الأقوال والأعمال .
مجاهدة النفس هي الطريق المستقيم لنيل ما عند الله ،
روى الإمام البيهقي في كتاب الزهد الكبير من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قَدِمَ على رسول الله {صلى الله عليه وسلم} قوم غُزاة فقال عليه السلام : ( قدمتم خير مَقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) قِيل وما الجهاد الأكبر؟. قال : ( مجاهدة العبد هواه) ثم قال البيهقي : هذا إسناد فيه ضعف .
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن جابر بلفظ: قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة، "فقال عليه الصلاة والسلام: قدمتم من خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال:( مجاهدة العبد هواه ).
وروى النسائي في كتاب الكنى فقال: أخبرني حدثنا أبو مسعود محمد بن زياد المقدسي سمعت إبراهيم بن أبي عبلة يقول لأناس جاءوا من الغزو : ( قد جئتم من الجهاد الأصغر، فما فعلتم في الجهاد الأكبر؟. قالوا: يا أبا إسماعيل وما الجهاد الأكبر؟. قال:( جهاد القلب ).
قلت : ضعف جمهور أهل العلم حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما المرفوع ، وقد ضعفه البيهقي ذاته عقب روايته ، لكنهم صححوا رواية النسائي بكونه من كلام إبراهيم بن أبي عبلة ، ونقلوا قول الحافظ ابن حجر في (تسديد القوس في تخريج مسند الفردوس): هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم بن عيلة.
والحق والعدل أن الحديث وإن كان ضعيف السند فهو صحيح المعني ، فقد روى الإمام أحمد في المسند ، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في المعجم الكبير وغيرهم من حديث فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللهِ ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ الْخَطَايَا وَالذَّنُوبَ ).
فقد بين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن المجاهد هو من جاهد نفسه ، وجهاد النفس يشمل جهاد القلب بمنعه عن إضمار الشرور لعباد الله ، وعقد النوايا الطيبة في كل أمور الحياة ، ومن جهاد النفس جهاد هوي النفس حيث إن النفس تميل للراحة والخمول والتحلل من قيود الأوامر والنواهي الربانية ، فعلينا أن نوطن النفس على هوي القرآن والسنة بالتمسك بالأوامر الربانية، ومن مُجاهدة النفس مجاهدة الشيطان الملازم الإنسان ، فالشيطان يريد أن يكون له رفقاء كُثر في النار فهو يأتي للإنسان من كل اتجاه ليُضله عن طريق الله المستقيم .
قد ظن بعض العلماء أن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يَحُث على ترك الجهاد في سبيل الله والإنشغال في مجاهدة النفس والهوى والشيطان ، ولكن رد عليهم فريق آخر من العلماء بأن مجاهدة النفس والهوى والشيطان فرض عين على كل إنسان ، أما مجاهدة الأعداء في ساحات القتال قد يكون في بعض الأحيان فرض عين وفي بعض الأحيان فرض كفاية ، وأن المسلم لن يرتقي لمرحلة أن يكون من المجاهدين للأعداء في ساحات القتال إلا إذا كان من المجاهدين أولاً للقلب والهوى والشيطان ، وبهذا يكون قد زال التخوف الذي ذهب إليه الفريق الأول .
اللهم ارزقنا ما أحييتنا جهاد النفس ، ووفقنا لأعظم النوايا الحسنة والأقوال والأعمال التي ترضي بها عنا فى الدنيا والآخرة .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

الماء الذي يَصْلُح للوضوء .
الماء الذي يَصْلُح للوضوء هو الماءُ المُطلَقُ: أي الماءُ الباقي على أصلِ خِلقَتِه فلم يتغير أحد أوصافه الثلاثة ، فالماء عديم اللون وعديم الطعم وعديم الرائحة ، فإذا خالط الماء أي شيء طاهر كالورد مثلاً وغير اللون أو الطعم أو الرائحة فإننا نقول عليه ماء الورد ، فالورد المضاف على الماء أخرج الماء عن أصل خلقه وغير أوصافه فلا يصلح للوضوء ، وإن توضأ به مسلم وصلي به وجب عليه إعادة الوضوء والصلاة مرة أخري ، ولكن إذا كان الماء كثيراً كما في مياه الأنهار والبحار والتُرع والآبار ووقع فيها شيء طاهر أو نجس كالحيوانات الميتة ولم يتغير أي شيء من أوصاف الماء لكثرته فإن الوضوء صحيح ولا شيء فيه لأن الماء لم يتغير عن أصل خلقه ، ولعِظم مكانه الماء في حياة الإنسان على وجه الأرض فإن الله عزّ وجل من أنزله بالقدر الذي يكفي حاجة البشر ، وتكفل بحغظه في صورة أنهار أو بحار أو عيون أو آبار ، وأوضح الحق تبارك وتعالى لنا صِور الماء الطاهر الذي نشرب منه ونتوضأ به ونغتسل به من الجَنابة ، وهو ماءُ المَطرِ : قال الله عز وجل في سورة الفرقان : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا } .
وقال الله عزّ وجل في سورة المؤمنون :﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ﴾
وماء البحر ، روي الإمام أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله قال : سألَ رجلٌ رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ و سلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ إنَّا نركَبُ البحرَ ونحملُ معنا القليلَ من الماءِ فإن تَوضَّأنا به عَطِشْنا أفنتوضَّأُ من ماءِ البحرِ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ و سلَّمَ هو الطَّهورُ ماؤهُ ، الحلُّ ميتتُه ).
وماءُ العُيونِ: وهو ما ينبُعُ مِنَ الأرضِ
قال تعالى في سورة الزمر:( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ) ويُستدَلُّ بالآيةِ على طهارةِ ماءِ العُيونِ وبما رواه الإمام أحمد من حديث عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعا بسَجْلٍ من ماءِ زَمزمَ، فشَرِبَ منه وتوضَّأَ))
وماء الآبار ، روي الإمام أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّه قيلَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنتوضَّأُ من بئرِ بُضاعةَ وَهيَ بئرٌ يُطرحُ فيها الحيضُ ولحمُ الكلابِ والنَّتنُ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ : ( الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ ).
والماء الطاهر الذي خالطه شيء طاهر أو شئ نجس ولم يؤثر في لونه أو طعمه أو ريحه فهو ماء صالح للوضوء والغُسل من الجنابة ، روي الإمام ابن ماجه من حديث فاختة بنت أبي طالب أم هانئ إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ اغتسلَ وميمونةَ من إناءٍ واحدٍ في قصعةٍ فيها أثرُ العَجينِ ) ، وروي الإمام ابن ماجه من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ, إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ ) .
وكذا الماء المُجمد أي الثلج وحبات البَرد وهي حبات الثلج المُجمدة التي تتساقط مع المطر ، فهذا الماء الناشئ عن تحلل الثلج طاهر ولا حرج على الشرب منه والطهارة به ، روي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْكُتُ بيْنَ التَّكْبِيرِ وبيْنَ القِرَاءَةِ إسْكَاتَةً - قالَ أَحْسِبُهُ قالَ: هُنَيَّةً - فَقُلتُ: بأَبِي وأُمِّي يا رَسولَ اللَّهِ، إسْكَاتُكَ بيْنَ التَّكْبِيرِ والقِرَاءَةِ ما تَقُولُ؟ قالَ: أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وبيْنَ خَطَايَايَ، كما بَاعَدْتَ بيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بالمَاءِ والثَّلْجِ والبَرد ).
اللهم ارزقنا الفقه في ديننا الإسلامي الحنيف وجنبنا الزيغ والزلل .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
التيمم بالتُراب الطاهر عند فقد الماء .
إذ فقد المسلم الماء ولم يجده في وقت وجوب الصلاة يجوز له أن يتيم بالتراب بديلاً عن الماء ، فيتطهر إن جُنبناً ويتوضأ إن كان قد انتقض وضوءه ، وذلك بضرب الكفين على تُراب الأرض الطاهر ثم يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بالتراب العالق على الكفين ، ويكون هذا المسح بالتُراب الطاهر بديلاً عن الماء الطاهر ، وهذا رحمة من الله بعباده وتيسيراً لهم في أداء عبادتهم .
كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عائداً من غزوة بني المُصْطَلِق ، وبينما هو ومن معه من أفراد الجيش عند مكان يُسمي البيداء ومكان يُسمي ذات الجيش ، أحست عائشة رضي الله عنها بفقد عِقد لها كانت تتزين به في رقبتها ، فأخبرت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفقد العِقد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوقف المَسير وانتدب رجالاً للبحث عن العِقد ، وحان وقت صلاة الفجر ولا يوجد ماء للوضوء ، فأنزل الله عزّ وجل آية التيمم بالتُراب بديلاً عن الماء ، روي البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، حتَّى إذَا كُنَّا بالبَيْدَاءِ أوْ بذَاتِ الجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فأقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى التِمَاسِهِ، وأَقَامَ النَّاسُ معهُ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، فأتَى النَّاسُ إلى أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقالوا: ألَا تَرَى ما صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أقَامَتْ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسِ ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واضِعٌ رَأْسَهُ علَى فَخِذِي قدْ نَامَ، فَقالَ: حَبَسْتِ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والنَّاسَ، ولَيْسُوا علَى مَاءٍ، وليسَ معهُمْ مَاءٌ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أبو بَكْرٍ، وقالَ: ما شَاءَ اللَّهُ أنْ يَقُولَ وجَعَلَ يَطْعُنُنِي بيَدِهِ في خَاصِرَتِي، فلا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إلَّا مَكَانُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ أصْبَحَ علَى غيرِ مَاءٍ، فأنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا، فَقالَ أُسَيْدُ بنُ الحُضَيْرِ: ما هي بأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يا آلَ أبِي بَكْرٍ، قالَتْ: فَبَعَثْنَا البَعِيرَ الذي كُنْتُ عليه، فأصَبْنَا العِقْدَ تَحْتَهُ ).
ويُؤخذ من الحديث المتقدم أنه يجوز للرجل أن يؤدب ابنته ويعتب عليها وهي في بيت زوجها ، فقد شكا الناس لأبي بكر أن عائشة رضي الله عنها هي سبب تأخرهم ومبيتهم في مكان ليس فيه ماء ، فذهب إليها وضربها بأطراف أصابعه في فخذها ، وتحملت ولم تتحرك لأن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان نائماً على فخذها ، ويُطلق الفخذ على وسط المكان من الركبتين حتى المؤخرة .
سبحان الله لا يدري الناس أن الخير في تأخيرهم ومبيتهم في مكان ليس فيه ماء ، فقد يسر الله على الأمة الإسلامية كلها وأنزل آية التيمم التي فيها رفع الحرج عن المسلمين .
لا تحزن يا عبد الله في تأخير شيء عنك فقد يكون في التأخير الخير والصلاح والفلاح والمنفعة لك ولغيرك .
وآية التيمم هي قول الله عز وجل في سورة المائدة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ .
اللهم ارزقنا الفقه في ديننا الإسلامي الحنيف وجنبنا الزيغ والزلل .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
إياك والحَلُوب .
مشهد من المشاهد النبوية مليئ بالدورس العملية في حياتنا اليومية .
ذات يوم من الأيام يخرج سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من منزله من ألم الجوع حيث لا يوجد طعام في منزله ، خرج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى الشارع فوجد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد أخرجهم ألم الجوع .
لا يوجد على ظهر الأرض أفضل من هؤلاء الثلاثة وقد مرت بهم الظروف المعيشية القاسية ، نحن الآن لسنا بأفضل منهم ، وعندما نُعاني بعض ما عانوه يجب ألا نتهم أنفسنا بالضلال أو نظن أن الله قد غضب علينا ولكنها سُنة الله في عباده ، فتارة في الغني وتارة في الفقر وأُخري بين هذا وذاك.
خرج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحباه يلتمسون الطعام والشراب عند أحد الأغنياء من المسلمين ، فوصلوا إلى بيت مالك بن التيهان أبو الهيثم ، فقدم لهم عِذق نخيل أي سُباطة من ثمار النخيل تحتوي على البُسر وهي الثمار المُلونة التي لم تصل إلى مرحلة النُضج الكامل ، والرُطب وهي ثمار النخيل التي نَضجت وصارت طرية والتمر وهي ثمار النخيل التي نَضجت وصارت جافة، وهذا يدل على سخاء وجُود وكرم الضيافة عند أبي الهيثم ، إذا قدم ثمرة النخيل بأصنافها الثلاثة المُحببة عند الآكلين حتى ينال كل واحد مُراده ، فمن يُحب البُسر وجد ما يشتهيه ، ومن يُحب الرُطب وجد ما يشتهيه ، ومن يُحب التمر وجد ما يشتهيه .
وبالغ أبو الهيثم في كرم الضيافة فأخذ المُدية أي السكين ليذبح لهم شاة ، فقال له الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : إياك والحَلُوب ، وهذا بيت القَصيد ، فهو تعليم له ولنا أن نُحافظ على الموارد المُنتجة لتُعطي لنا أفضل المكاسب ، فالشاة الحلوب مصدر استثماري جيد فهي تُنتج الحليب وتُرضع أولادها الصغار واختُبر إنتاجُها دون غيرها ، ففي ذبحها ضياع لفوائد عديدة.
إذن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يُعلم البشرية أصلاً من أصول الإستثمار الذي يُعظم الإنتاج والأرباح وهو : ألا يُفرط المستثمر في الأصول المُنتجة التي تم اختبار جودتها العالية .
روي الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَقَالَ: مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟. قَالَا : الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : وَأَنَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قُومُوا فَقَامُوا مَعَهُ ، فَأَتَى رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْنَ فُلَانٌ ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ ، إِذْ جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي ، قَالَ : فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ ، فَقَالَ: كُلُوا مِنْ هَذِهِ ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ )، فَذَبَحَ لَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا ، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ ).
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في أمور الدين والدنيا والآخرة .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕.
كيف تنال ثواب أهل الفضل؟؟؟.
يستطيع الإنسان المسلم أن ينال ثواب الكثير من الأعمال الصالحة التي لا يتمكن من فِعلها ، يستطيع الإنسان المسلم أن يأخذ ثواب المُجاهد في سبيل الله وهو لم يخرج من بيته ومات على سَريره ، يستطيع الإنسان المسلم أن يأخذ ثواب الغَنِي التقي المُنفق ماله في وُجوه الخير في حِين أنه من الفقراء المُعدمين ، يستطيع الإنسان المسلم أن يأخذ ثواب العالم العامل في حِين أنه لم يتعلم ، يستطيع الإنسان المسلم أن ينال عِقاب وعذاب أحد الفُجار الظالمين وهو لم يظلم ، كيف يكون كل ما سبق وأشباهه؟.
تستطيع أخي المسلم أن تناول الثواب أو العذاب بالنية الصادقة ، إذا عزمت على فعل شيء من أبواب الخير بنية صادقة أخذت ثوابه وإن لم تفعله ، وإذا عزمت على فعل شيء من أبواب الشر بنية صادقة أخذت ذنوبه وإن لم تفعله ، روي الإمام مسلم في صحيحه من حديث سَهْلِ بْن حُنَيْف رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ سَأَلَ اللهَ تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) .
وروي الإمام الترمذي في سننه من حديث أبي كَبشة الأنماري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثةٌ أقسِمُ عليْهنَّ وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ، قالَ : ما نقصَ مالُ عبدٍ من صدقةٍ، ولا ظلِمَ عبدٌ مظلمةً فصبرَ عليْها إلَّا زادَهُ اللَّهُ عزًّا، ولا فتحَ عبدٌ بابَ مسألةٍ إلَّا فتحَ اللَّهُ عليْهِ بابَ فقرٍ، أو كلمةً نحوَها. وأحدِّثُكم حديثًا فاحفظوهُ، فقالَ: إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ، عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهذا بأفضلِ المنازلِ، وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ، وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يصِلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ، وعبدٍ لم يرزقْهُ اللَّهُ مالًا ولا علمًا فَهوَ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيهِ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهما سواءٌ ) .
بين الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن النية الصادقة أقوى من العمل ذاته ، روي الإمام البيهقي في شُعب الإيمان من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نية المؤمن أبلغ من عمله ) .
وقد أحسن الإمام البيهقي ببيان معني الحديث فقال بعد روايته: ( نية المؤمن خير من عمله، لأن النية لا يدخلها الفساد، والعمل يدخله الفساد).
أخي المسلم إذا رأيت ذا صلاح وتقوي وبِر وإحسان فأحبه وعمله وجدد نيتك وقل: إن أعطاني الله مِثل ما أعطى فُلان سأفعل مِثله ، فتأخذ مِثل أجره ، وإذا رأيت ذا شر وفساد وأذي وفِسق وفُجور فعليك بكراهية أفعاله ولا تكره ذاته وادعو الله له بالهداية .
اللهم بلغنا منازل الشهداء والعلماء وأهل الفضل أجمعين .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

مَعيشَةُ الكَفَافِ .
يتفاوت الناس في الدنيا في الغِني والفقر، فمنهم الغني صاحب الأموال الكثيرة التي تكفيه ومن يعول وتزيد بمقادير متفاوتة فيما بينهم ، ومنهم الفقير والمسكين الذان يملكان ما لا يكفيهم بدرجات متفاوتة فيما بينهم ، ومنهم من رُزق الكفاف وهو الذي يملك ما يكفيه ولا يحتاج لأحد من الخلق ، هذه حالات ثلاث يتقلب فيها الناس .
الله جل جلاله الحكم العدل يُعجل دخول الجنة للفقراء والمساكين يوم القيامة جزاء صبرهم على بعض الحرمان من متاع الدنيا ، فيدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ، روى الترمذي في سننه وابن ماجة في سننه وأحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَدْخُلُ فُقَرَاءُ المُسْلِمِينَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مِائَةِ عَام ) .
يتأخر الأغنياء عن دخول الجنة لأنهم يقفون للحساب على أموالهم من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها ، أما الفقراء والمساكين وأصحاب الكفاف أموالهم قليلة لا تستغرق وقتاً ولا تحتاج تأخيراً ، روي الشيخان ــ الإمام البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قُمْتُ علَى بابِ الجَنَّةِ، فَكانَ عامَّةَ مَن دَخَلَها المَساكِينُ، وأَصْحابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غيرَ أنَّ أصْحابَ النَّارِ قدْ أُمِرَ بهِمْ إلى النَّارِ، وقُمْتُ علَى بابِ النَّارِ، فإذا عامَّةُ مَن دَخَلَها النِّساءُ ) .
أصحاب الكفاف هم أحسن الناس حالاً فهم يملكون ما يكفيهم فلا يتعرضون لفتن كثرة المال أو فتن قلته المؤذية ، لذا عندما يُكشف الغِطاء يوم القيامة ونري ما غاب عنا من نعيم وعذاب وثواب وعقاب ؛ يتمني الأغنياء والفقراء أن لو كانت معيشتم الكفاف .
روي الإمام ابن ماجه في سننه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما منْ غنيٍّ ولا فقيرٍ ؛ إلا ودَّ يومَ القيامةِ أنهُ أوتيَ منَ الدنيا قوتًا ). قوتاً أي كفافاً .
الله عز وجل لا يظلم أحداً من خلقه ، فإن كان قد كافىء الفقراء بدخول الجنة قبل الأغنياء ، فإنه لا ينسي أفعال الخير التي فعلها الأغنياء من إطعام المسكين وابن السبيل واليتيم وغيرها من أعمال الخير ؛ لذا فإن الأغنياء إذ كانت حسناتهم أكثر من الفقراء ، فإن منازلهم في الجنة تكون أعلى من الفقراء بفضل أعمالهم ، قال الله عز وجل في سورة الأنعام: ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) .
اللهم ارزقنا الكفاف وارزقنا النوايا الحسنة التي نصل بها مراتب الأغنياء المتقون .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
فن التعامل مع المُخْطِئين .
من الأخطاء التي لا يَكاد يَسلم منها أحد إلا من رحم الله ، قسوة التعامل مع المُخطئ ، عندما نرى مُخطئاً في كبيرة أو صغيرة فإن الكثير منا يُبالغ في القسوة والغِلظة والتنكيل بالمخطئ ، بل إن البعض منا يُبالغ في القسوة والغِلظة والتنكيل بمن فعل سفاسف الأمور المُختلف فيها -- كمن شرب قائماً أو أرخي ثوبه أسفل الكعبين .
ولأمثال هؤلاء نقول : رفقاً بالمخطئين ، فقد يكون أحد المخطئين أفضل من الواعظ ذاته ، لا أقول دعوهم مع أخطائهم ولكن قوموا سلوكهم بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تسبوهم بأقبح الألفاظ، لا تدعوا عليهم بالطرد من رحمة الله فتكونوا مع الشيطان عليهم، فإن غاية الشيطان أن يُحرم كُل الناس من رحمة الله مِثله ، ولكن ادعوا الله لهم بالهداية والصلاح ، مع الكلمات والبسمات التي تفتح القلوب وتأسر النفوس .
هذا رجل اعتاد شُرب الخمر ، وعِدة مرات يُمسك الصحابة رضي الله عنهم به وهو سَكران ، ويُقدمونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يُقيم عليه حَد شُرب الخمر ، وذات مرة لعنه رجل أي دعا عليه رجل بأن يكون من المطرودين من رحمة الله عقاباً له على كثرة سُكره ، فإذا بالحبيب صل الله عليه وسلم ، يأمرهم بالدُعاء له بالهداية لا بالدعاء عليه بالهلاك ، روي الإمام البخاري في صحيحه من حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه: ” أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ : اللَّهُمَّ العَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )
وروي الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( أُتِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برَجُلٍ قدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ -قَالَ أبو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بيَدِهِ، والضَّارِبُ بنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بثَوْبِهِ- فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ أخْزَاكَ اللَّهُ! قَالَ: لا تَقُولوا هَكَذَا ؛ لا تُعِينُوا عليه الشَّيْطَانَ ).
وعند أبي داود بلفظ مقارب وفيه زيادة : ( فقالَ بعضُ القومِ: أخزاكَ اللَّهُ . قالَ: لا تَقولوا هَكذا لا تُعينوا عليْهِ الشَّيطانَ ولَكن قولوا: اللَّهمَّ اغفِر لَهُ ، اللَّهمَّ ارحمْهُ ).
هذا الرجل السِكير المُذنب فيه جوانب خير ، كان يُحب الله ورسوله ، كان إذا رأى رجلاً يبيع أواني مملوءة بالعسل أو السَمْن في السوق يشتريها بالأجل ، ثم يُقدمها هدية لرسول الله صل الله عليه وسلم ، وإذا جاء صاحب السمن أو العسل يُطالب بحقه ولم يكن معه مال ، فكان يصطحبه لرسول الله صل الله عليه وسلم ليدفع الثمن ، أي أنه كان يُقدم أي شيء للتعبير على محبة الله ورسوله ، روى أبو يعلى في “مسنده” ، وأبو نعيم في “الحلية” ، والضياء في “المختارة” عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه : ” أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا ، وَكَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعُكَّةَ مِنَ السَّمْنِ ، وَالْعُكَّةَ مِنَ الْعَسَلِ ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا يَتَقَاضَاهُ جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِ هَذَا ثَمَنَ مَتَاعِهِ ، فَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَبْتَسِمَ وَيَأْمُرَ بِهِ فَيُعْطَى ، فَجِيءَ بِهِ يَوْمًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ، فَقَالَ رَجُلٌ : اللَّهُمَّ الْعَنْهُ ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَلْعَنُوهُ ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
اللهم ارزقنا حُسن الإقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
أهْلُ الصُّفّة .
الصُفة: مكان مرتفع عن أرضية المسجد ،كان في مؤخر المسجد النبوي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعده الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لنزول الغُرباء الذين لا مأوى لهم ولا أهل .
أي أن الصُفة مكان يأوي إليه فقراء المسلمين من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين لم تكن لهم منازل يسكنونها، ولم يكن لهم من الموارد المادية ما يكفيهم ، فكانوا يسكنون هذا المكان من المسجد ، وكان أصحاب الأموال يُعطونهم من صدقات أموالهم وزروعهم ، وكانوا يستضيفونهم في بيوتهم بين الحين والآخر لإدخال السعادة والسرور عليهم ، وكان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بنفسه يدعوهم إلى بيته ليُقدم لهم أجود ما عنده ، وعُرفوا بأضياف الإسلام .
أهل الصُفة لا يقل عددهم عن السبعين رجلاً على الدوام ، بل كانوا يزيدون على هذا العدد في كثير من الأحيان تٓبعاً للوفود التي تتردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أهل الصُّفة كانوا محل إكرام المسلمين جميعاً ؛ لأنهم تركوا أوطانهم وأهليهم ، وفضلوا الإقامة بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتعلموا من علمه ويتأدبوا بأدبه ويكونوا دُعاة إلي بلادهم حين يرجعون إليها.
تأثر أهل الصُفة بالجوع والعطش والعُري ؛ لأن الدولة كانت في طور النشأة ، والموارد قليلة ، وغالب الأفراد أحوالهم رقيقة ، وأعداء الإسلام كُثر ، ولك أن تتخيل أن يستضيفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أكلة هي عبارة شربة لبن ، ويُفضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه ، فيُسقيهم أولاً ، ويشرب آخرهم فضلة الإناء أي ما بقى بقاع الإناء ، روي البخاري في صحيحه أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ كانَ يقولُ: آللَّهِ الذي لا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بكَبِدِي علَى الأرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ علَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، ولقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا علَى طَرِيقِهِمُ الذي يَخْرُجُونَ منه، فَمَرَّ أبو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ، ما سَأَلْتُهُ إلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ ولَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عن آيَةٍ مِن كِتَابِ اللَّهِ، ما سَأَلْتُهُ إلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بي أبو القَاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وعَرَفَ ما في نَفْسِي وما في وَجْهِي، ثُمَّ قالَ: يا أبَا هِرٍّ، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الْحَقْ، ومَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ، فأذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا في قَدَحٍ، فَقالَ: مِن أيْنَ هذا اللَّبَنُ؟ قالوا: أهْدَاهُ لكَ فُلَانٌ -أوْ فُلَانَةُ- قالَ: أبَا هِرٍّ، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الْحَقْ إلى أهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لي، قالَ: وأَهْلُ الصُّفَّةِ أضْيَافُ الإسْلَامِ، لا يَأْوُونَ إلى أهْلٍ ولَا مَالٍ ولَا علَى أحَدٍ، إذَا أتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بهَا إليهِم ولَمْ يَتَنَاوَلْ منها شيئًا، وإذَا أتَتْهُ هَدِيَّةٌ أرْسَلَ إليهِم وأَصَابَ منها وأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذلكَ، فَقُلتُ: وما هذا اللَّبَنُ في أهْلِ الصُّفَّةِ؟! كُنْتُ أحَقُّ أنَا أنْ أُصِيبَ مِن هذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أتَقَوَّى بهَا، فَإِذَا جَاءَ أمَرَنِي، فَكُنْتُ أنَا أُعْطِيهِمْ، وما عَسَى أنْ يَبْلُغَنِي مِن هذا اللَّبَنِ! ولَمْ يَكُنْ مِن طَاعَةِ اللَّهِ وطَاعَةِ رَسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بُدٌّ، فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ، فأقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فأذِنَ لهمْ، وأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ، قالَ: يا أبَا هِرٍّ، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: خُذْ فأعْطِهِمْ، قالَ: فأخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، حتَّى انْتَهَيْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فأخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ علَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقالَ: أبَا هِرٍّ، قُلتُ: لَبَّيْكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: بَقِيتُ أنَا وأَنْتَ، قُلتُ: صَدَقْتَ يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ، فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقالَ: اشْرَبْ، فَشَرِبْتُ، فَما زَالَ يقولُ: اشْرَبْ حتَّى قُلتُ: لا، والَّذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما أجِدُ له مَسْلَكًا، قالَ: فأرِنِي، فأعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وسَمَّى وشَرِبَ الفَضْلَةَ ) .
الصُفة كمكان ومعنى شاهدة على دور المسجد العظيم في نشر الأُلفة والمودة والرحمة الفعلية بين قاصدي بيت الله عزّ وجل ، وهذا ما تسعى إليه وزارة الأوقاف المصرية جاهدة ، حيث تقوم بذبح الأضاحي بالنيابة عن المُضحين وتقوم كذلك بتوزيع لحوم الأضاحي على المُستحقين نيابة عن المُضحين ، وهذا خير دليل على قيام المسجد بدوره ، مُقتدياً بالسراج المُنير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم وفق القائمين على المساجد في مصر العزيزة وفي كل بلاد المسلمين إلى ما فيه طاعتك ورضاك ووفق أهل الخير لفعل المزيد وأجزل لهم الأجر .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

تَذْكِرةُ عَمَلِيَةُ ، ورُؤيا عَينُ .
نري ونلمس ونشعر في فصل الصيف بشدة الحر في أوقات معينة ، ونري ونلمس ونشعر في فصل الشتاء بشدة البرد في أوقات معينة ، شدة الحر أي الإرتفاع الشديد في درجات الحرارة ناتج عن تنفس نار جهنم ، ومن المعلوم أن التنفس يخرج معه هواء من الداخل ، فعندما تتنفس جهنم يخرج من داخلها حرارة شديدة على أهل الأرض ، وفي الشتاء نري ونلمس ونشعر بزمهرير في أيام معينة ، والزمهرير هو شدة البرد أي الإنخفاض الشديد في درجات الحرارة ، وهذا الزمهرير ناتج عن تنفس جهنم ، ولكن قد يسأل سائل ويقول: تنفس جهنم ينتج عنه حرارة شديدة تنزل على أهل الأرض فترتفع درجات الحرارة ، فكيف يكون شدة البرد ناتج عن تنفس جهنم أيضاً ؟.
قال أهل العلم : إن جهنم بها طبقة حارة تتنفس في الصيف فينتج عنها الإرتفاع الشديد في درجات الحرارة ، وبجهنم طبقة باردة تتنفس في الشتاء فينتج عنها الإنخفاض الشديد في درجات الحرارة ، وهذا يُبين مدي قدرة الله عز وجل وعظمته بخلقه الحرارة والبرودة في مكان واحد دون أن يُفسد أحدهما الآخر ، روي الإمام البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صل عليه وسلم : ( اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ) .
اللهم إنا مؤمنون بقدرتك وعظمتك وسُننك الكونية التي أظهرتها لعبادك ليزداوا إيماناً ، اللهم زدنا فوق الإيمان إيمان ، واحشرنا تحت راية رسول الإسلام سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

دُعاء عظيم الفائدة ، فانتبه!!!!! .
عباد الله: أريد اليوم أن أحدثكم عن دعاء عظيم، قَلّ فِينا من يدعو به ومن يسأل الله إياه، مع أن نبينا -صلى الله عليه كان يدعو به في الصباح والمساء ، روي الإمام أبو داود من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما- قال : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ، حِينَ يُمْسِي، وَحِينَ يُصْبِحُ: ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي ).
عباد الله كان النبي -صلى الله عليه وسلم -يحافظ على هذا الدعاء عند كل صباح ومساء، وكان يُعلمه لأصحابه وأهل بيته ، روى الإمام الترمذي في سننه من حديث العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي الله عنه-، قَالَ: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، قَالَ: سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ، العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ” .
مرتان متتاليتان والعباس بن عبد المطلب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -يطلب منه أن يعلمه دعاء يسأل الله به، فيعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم -أن يسأل الله العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
فلنسأل أنفسنا أين نحن من هذا الدعاء؟ وهل سألنا الله العافية دائماً كما كان نبينا -صلى الله عليه وسلم -يفعل ذلك ويأمر به؟ وكما كان أصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم يفعلون - روي الإمام الترمذي من حديث أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه- أنه قَامَ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى، فَقَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -عَامَ الأَوَّلِ عَلَى المِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: “اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ” .
وروى الإمام الطبراني عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “مَا مِنْ دَعْوَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللهِ أَنْ يَدْعُوَهُ بِهَا عَبْدٌ مِنْ أَنْ يَقُولَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْمُعَافَاةَ أَوْ قَالَ: الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ”.
قد يقول قائل وماهي العافية؟ وما معنى سؤال الله العافية في الدين والدنيا والآخرة؟ .
إن المسلم حينما يسأل الله العافية في الدين فهذا معناه أنه يسأل الله أن يقيه من كل أمر يُنقص بالدين، أو يَخل به، أو يَخدش فيه من المصائب، والفتن، والمِحن، والضلالات، والشُبهات، والشهوات، ووساوس الشيطان، وغيرها من الأشياء التي تُؤثر على دين العبد، وتُسبب في إضعاف الإيمان في قلبه، فتسأل الله أن يُعافيك ويُسلمّك من هذه الأمراض، وأن يدفعها عنك حتى تستقيم على الدين، ويَكمل عندك الإيمان واليقين، ولن يكون هذا ولن يتحقق إلا إذا عافاك الله بقدرته من هذه الأمور.
وانظروا -يا عباد الله- كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قدم العافية في الدين على العافية في الدنيا والمال والأهل والولد، لأنّ دينَ الإنسانِ أهمُ مِن دنياه ومُقدَّمٌ عليها، ومن استقام له دينه وعُوفي له فيه استقام له كل شيء، وتيسرت له كل سُبل الطاعة والخير، وأعظم مُصيبة هي مُصيبةُ الدِّينِ، نسألُ اللهَ أن يُثبِّتنا على دينه، فإذا أُصِيبَ الإنسانُ في دِينهِ والعياذُ بالله فهذه أَعْظَمُ مُصيبةٍ، وأكبر خطر يصيب الإنسان، ويجعله يخسر الدنيا والآخرة، لأن الدين يضعف في النفس، والقلب يمرض كما يمرض البدن، فلهذا أُمرنا بأن نسأل الله العافية في الدين.
إن نقصان العافية في الدين تكون بالوقوع في المَحظورات والكبائر، والمُجاهرة بالفواحش والمُوبقات التي تُوهن الدين، وتجعل العبد يعيش بإيمان ضعيف ودين غير مُكتمل.
وأما العافية في الدنيا فهي بالحفظ من الأمراض والأوبئة والكوارث والهموم والعاهات التي تمنع العبد من القيام بأمور معاشه علي وجه طيب يحفظ ماء وجهه من العوز والحاجة.
وأما العافيةُ في الآخرة فإنها تكونُ بالسّلامةِ والأَمْنِ مِن عذاب الآخرة، والوقاية من أهوال الآخرة، وشدائدها، وكُرباتها، وما فيها من العُقوبات، بدءً من الاحتضار، وعذاب القبر، والحشر والفزع الأكبر، والصراط، والميزان، وعذاب النار.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا العافية في الدين والدنيا والآخرة.
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
التناغم بين الروح والجسد .
من المعلوم أن الإنسان مَخلُوق من روح وجسد ، والإسلام يُلبي احتياجات الروح والجسد ، فالروح جسم شفاف نُوراني ، هذا الجسم الشفاف النُوراني يسمو ويرتقي بكلام الله عزّ وجل وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه، لذا كان أول شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصل المدينة المنورة هو بناء المسجد ، حيث في المسجد تُقام الصلوات الخمس وتُودَي فيه دروس العلم التي تُرقي الروح وتسمو بها نحو خالقها جل وعلا .
أما الجسد فهو مَخلُوق من تُراب الأرض ، وبالتالي يكون هناك حنين بين الجسد والبيئة التي يعيش فيها ، هناك ارتباط من نوع ما بين الجسد الإنساني وكل مكونات الكون الواسع من أرض وسماء وجبال وسهول وأنهار وبحار وكائنات ، لذا اهتم الإسلام بالجسد وأمر المسلم أن يُعمر الكون لكي يتم التناغم بين الإنسان والطبيعة ، ومن وسائل عمارة الكون أن يكون هناك أسواق للبيع والشراء حتى يتم تبادل المنافع والخِبرات بين بَني الإنسان ، إذا لا يستطيع أي إنسان مهما بلغت قُوته وسُلطانه أن يستغني عن الناس ، لذا أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم سُوقاً في مكان فسيح لكي يغشاه الناس ويتبادلوا المنافع ويستفيد هذا من ذاك .
المسجد لتلبية احتياجات الروح والسوق لتلبية احتياجات الجسد ، ما أجمل الإسلام في هديه وسُننه في عباده.
الذهاب إلى المسجد عِبادة والجلوس بين سواريه أي أعمدته عبادة ، وحُب المسجد والتعلق به عبادة ، وكذا البكور في طلب الرزق الحلال من السوق أو الحقل أو المصنع أو الوظيفة عبادة ، والإخلاص والصدق والأمانة في شتي مناحي الحياة الدنيوية عبادة ، لذا قال الله عز وجل في محكم كتابه في سورة الجُمُعة : ( فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض ) .
اللهم ارزقنا الفقه في ديننا وارزقنا حُسن ختام الأنبياء والمرسلين وعبادك الصالحين المصلحين .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕
ما أجمل وأحسن وأرضي من اختيار الله.
لا تحزن على ما فاتك واشكر الله على ما أعطاك ، الإصطفاء والإختيار والتوفيق لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق هِبة ومِنحة وفضل من الله عزّ وجل ، فإن الله عزّ وجل إذا أراد التفضل على عبد من عباده بأمر من الأمور هيئ له الأسباب دون أن يشعر ، فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه العبد الحبشي لم يفكر يوماً ما أن يكون مؤذن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحظي بالقُرب الدائم من حبيب القلوب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
الصحابي الجليل عبد بن زيد الأنصاري يري في منامه رجلاً عليه ثوبين أخضرين يُؤذن للصلاة ثم يُقيم ، فيقُص الرؤيا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون تأويل الرؤيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشروعية الأذان والإقامة للصلاة واتخاذ المؤذن الذي يقوم بالمهمة.
لكن يا تُري من سيقوم بمهمة الأذان والإقامة ، هل هو صاحب الرؤيا الذي حفظ الكلمات ووعاها جيداً في المنام أم أن الله يُسوق فضيلة التنفيذ إلى غيره؟!!.
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمر عبد الله بن زيد الأنصاري أن يذهب إلى بلال بن رباح العبد الحبشي ويتلو عليه كلمات الأذان والإقامة ليقوم بالتنفيذ الفعلي ، لأن بلال أندي وأمد صوتاً منك يا عبد الله بن زيد .
يسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذان بلال وهو في بيته فيأتي مُسرعاً ، ويُخبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه رأي في منامه مثل الذي يقول بلال .
تتطابق رؤيا عمر بن الخطاب وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما لكن يقوم بالتنفيذ بلال بن رباح رضي الله عنه الذي اصطفاه ربه واختاره لهذا العمل الصالح .
روي الإمام الترمذي وصححه من حديث مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: ( لَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ بِالرُّؤْيَا ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى وَأَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا قِيلَ لَكَ ، وَلْيُنَادِ بِذَلِكَ . قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِدَاءَ بِلَالٍ بِالصَّلَاةِ ، خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَجُرُّ إِزَارَهُ ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي قَالَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلَّهِ الْحَمْدُ . فَذَلِكَ أَثْبَت ).
مما لا شك فيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل عند الله من عبد الله بن زيد وبلال بن رباح رضي الله عنهما ، لكن الله عزّ وجل يهيئ لكل إنسان من الأعمال ما يُناسب طبيعة تكوينه ، فبلال أندي وأمد في الصوت فوفقه الله إلى الأذن ، وعمر بن الخطاب أقوي وأعدل في الدين فوفقه الله إلي إمارة المسلمين أكثر من عشر سينين ، وفتح الله علي يديه البلاد والعباد .
ما يجب عليك يا عبد الله هو أن تأخذ بالأسباب ، والأسباب هي الإيمان بالله ورسوله وكتابه وأخلاقه ثم دع إختيار النتائج لله عزّ وجل ، وما يختاره الله لك هو كل الخير وإن خالف هوي النفس .
اللهم أقمنا على دين الإسلام العظيم ما أحييتنا وأنزل على قلوبنا الرضا والتسليم والقناعة والفرح والسرور بما اخترته لنا .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

الرجُل المُناسب في المَكان المُناسب.
من التعاليم الإسلامية الرفيعة التي تساعد في رقي المجتمع وازدهاره ، اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب ، ولفظ الرجل يُراد به الرجل والمرأة، فَحُسن اختيار الرجل أو المرأة للعمل في المكان الذي يتناسب مع الكفاءة والقدرة البدنية مبدأ دعا إليه الإسلام ورغب فيه.
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يبني المسجد النبوي الشريف هو وأصحابه من المهاجرين والأنصار ، ويأتي رجل من بلد تُسمي اليمامة من خارج المدينة ، ويُمسك بالفأس ويُقلب الطين تقليباً جيداً أُعجب به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يقوم الرجل ليحمل الحجارة على كتفه مع الناس إلا أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمره أن يقوم بخلط الطين فقط ، لأنه مُتقن لهذا العمل ويمتع بالقوة البدنية المؤهلة لإتقان العمل فهو قوي المِنكَب أي قوي الكتفين ؛ روي الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من حديث طَلَّق بْن عَلِيٍّ رضي الله عنه قالَ: جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاة وَعَمَلِي، فَقَالَ: ( دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّين) .
وفي رواية أخرى بلفظ : ( قَدِّمُوا الْيَمَامِي مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحْسَنِكُمْ لَهُ مَسًّا ) .
وفي رواية أخري بلفظ : ( قَرَّبِ الْيَمَامِيَّ مِنَ الطِّينِ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُكُمْ لَهُ مَسًّا وَأَشَدُّكُمْ مَنْكِبًا ).
وفي رواية عند الطبراني في المعجم الكبير من حديث طلق بن علي قال : أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، وَهُوَ يُؤَسِّسُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلْتُ أَحْمِلُ الْحِجَارَةَ كَمَا يَحْمِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّكُمْ يَا أَهْلَ الْيَمَامَةِ أَحْذَقُ شَيْءٍ بِإِخْلَاطِ الطِّينِ، فَاخْلِطْ لَنَا الطِّينَ ) ، فَكُنْتُ أَخْلِطُ لَهُمِ الطِّينَ وَيَحْمِلُونَهُ ).
فهذه الروايات تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدعه يعمل بنقل الحجارة وإنما وجهه ليعمل بتخصصه، وهو خلط الطين فهو ماهر متمكن فيه.
ما أجمل وأروع وأتقي وأنقي لله عزّ وجل أن يُوضع صاحب الكفاءة المهنية في موضعه الذي يُثمر فيه .
وما أجمل وأروع وأتقي وأنقي لله عزّ وجل أن يتخلف من لا يعرف ولا يُتقن بعيداً عن أي عمل لا يعرفه ولا يُتقنه حِسبة لله .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕

الأكل والشرب من قُعُود أفضل ويجوز من قِيام .
من آداب الطعام والشراب : يُستحب أن يأكل ويشرب المسلم قاعداً ؛ لأن الغالب من أكل وشُرب سيدنا محمد صل الله عليه وسلم أن يكون وهو قاعد ، وفي بعض الأحيان يأكل ويشرب قائماً لبيان أن الأكل والشرب قائماً جائز وليس حراماً ، وفي بعض الأحيان يَنهي عن الأكل والشرب قائماً لبيان أن الأكل والشرب من قُعُود هو الأفضل والأجمل للمسلم ، روي الإمام مسلم من حديث قتادة بن دعامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ( أنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا ).
قالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأكْلُ، فَقالَ: ذَاكَ أَشَرُّ، أَوْ أَخْبَثُ .
وروي الإمام ابن ماجه والطبراني من حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ " أَهْدَيْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاة فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُل ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيّ : مَا هَذِهِ الْجِلْسَة ؟ فَقَالَ إِنَّ اللَّه جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا عَنِيدًا "
وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا" .
قال أهل العلم : يُستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمني ويجلس على اليسرى أو يكون مُقعياٌ ، والإقعاء ؛ أي: جالسًا على أَلْيَتيه، ناصبًا ساقيه.
بينما تأتي أحاديث أخرى تُبين جواز الأكل والشرب من قِيام ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : ( سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ ).
وروي الإمام البخاري وأحمد واللفظ له من حديث عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّه شَرِبَ قَائِمًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ : مَا تَنْظُرُونَ ! إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا ، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَاعِدًا ).
وروى الإمام الترمذي من حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي ، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ .
ومن الأمثلة التوضيحية : كان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة لكن يوم فتح مكة المكرمة صلى الأوقات الخمسة بوضوء واحد لبيان أن ذلك يجوز وليس بحرام ، روي الإمام مسلم من حديث سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ قَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ ).
اللهم ارزقنا حُسن الإتباع لأقوال وأفعال وأخلاق سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

الأكل والشرب من قُعُود أفضل ويجوز من قِيام .
من آداب الطعام والشراب : يُستحب أن يأكل ويشرب المسلم قاعداً ؛ لأن الغالب من أكل وشُرب سيدنا محمد صل الله عليه وسلم أن يكون وهو قاعد ، وفي بعض الأحيان يأكل ويشرب قائماً لبيان أن الأكل والشرب قائماً جائز وليس حراماً ، وفي بعض الأحيان يَنهي عن الأكل والشرب قائماً لبيان أن الأكل والشرب من قُعُود هو الأفضل والأجمل للمسلم ، روي الإمام مسلم من حديث قتادة بن دعامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ( أنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا ).
قالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأكْلُ، فَقالَ: ذَاكَ أَشَرُّ، أَوْ أَخْبَثُ .
وروي الإمام ابن ماجه والطبراني من حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ حَسَن قَالَ " أَهْدَيْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاة فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُل ، فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيّ : مَا هَذِهِ الْجِلْسَة ؟ فَقَالَ إِنَّ اللَّه جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا عَنِيدًا "
وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْعِيًا يَأْكُلُ تَمْرًا" .
قال أهل العلم : يُستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثياً على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمني ويجلس على اليسرى أو يكون مُقعياٌ ، والإقعاء ؛ أي: جالسًا على أَلْيَتيه، ناصبًا ساقيه.
بينما تأتي أحاديث أخرى تُبين جواز الأكل والشرب من قِيام ، روي الإمام البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : ( سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ ).
وروي الإمام البخاري وأحمد واللفظ له من حديث عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّه شَرِبَ قَائِمًا ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ فَقَالَ : مَا تَنْظُرُونَ ! إِنْ أَشْرَبْ قَائِمًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَائِمًا ، وَإِنْ أَشْرَبْ قَاعِدًا فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ قَاعِدًا ).
وروى الإمام الترمذي من حديث عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي ، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ .
ومن الأمثلة التوضيحية : كان سيدنا محمد صل الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة لكن يوم فتح مكة المكرمة صلى الأوقات الخمسة بوضوء واحد لبيان أن ذلك يجوز وليس بحرام ، روي الإمام مسلم من حديث سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ صَنَعْتَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ قَالَ عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ ).
اللهم ارزقنا حُسن الإتباع لأقوال وأفعال وأخلاق سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕